وأما الشق الثاني: فهو في المعاملات وهي عكس العبادة، وذلك لأن شرط كل شيء تابع لأصله، فما كان الأصل فيه المنع فالأصل في شرطه المنع، وما كان الأصل فيه الحل فالأصل في شرطه الحل، والفقهاء قرروا – رحمهم الله تعالى – قرروا أن الأصل في المعاملات بيوعًا أو غيرها الحل والإباحة إلا بدليل، فإذا علم أصلها علم حكم شروطها، فالأصل أيضًا في الشروط في المعاملات الحل والإباحة. وقبل التفصيل في ذكر الأدلة على ذلك أنبهك على أمرٍ مهم وهو الفرق بين شروط صحة البيع والشروط في البيع فإذا قال الفقهاء شروط صحة البيع فيعنون بها الشروط السبعة المعروفة وهي الرضا وأن يكون العاقد جائز التصرف ... إلخ.
وأما الشروط في البيع فهي التي ينص على اشتراطها أحد المتعاقدين أو كلاهما ولا تعلق لها بصحة البيع، كاشتراط حمل الحطب أو تكسيره أو خياطة الثوب ونحوه وبالجملة.
فالفرق بينهما من وجوه:
الأول: أن شروط صحة البيع تشترط في كل بيع على أي صفةٍ كان وأما الشروط في البيع فلا لأنها تكون في بيعٍ دون بيع.
الثاني: أن شروط صحة البيع لا يصح البيع إلا بها، وأما الشروط في البيع فيصح بدونها.
ثالثًا: أن شروط صحة البيع محصورة لا تتغير ولا تتبدل بين بيعٍ وبيع، بل هي واحدة في كل البيوع، وأما الشروط في البيع فليست بمحصورة ولا ثابتة، بل تتغير من بيعٍ إلى بيع.
رابعًا: أن شروط صحة البيع يلزم توفرها ولو لم ينص عليها العاقدان وأما الشروط في البيع فلا تثبت إلا إذا تكلم بها من يريدها وقبلها الآخر.
خامسًا: أن الأصل في شروط صحة البيع التوقيف بحيث أنه لا يجوز للإنسان أن يربط صحة البيع بشرط إلا وعليه دليل صحيح، وما لا دليل عليه فلا عبرة به.