فالقول الصحيح الموافق للأدلة هو القول بصحة الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود، وسواءٌ اشترط على البائع فعلاً أم تركًا، ومن حرم شيئًا من هذه الشروط فعليه الدليل؛ لأنه ناقل عن الأصل. وأصول الإمام أحمد وأكثر نصوصه إنما تدل لهذا القول والإمام مالك قريب منه، لكن الإمام أحمد أكثر تصحيحًا للشروط، فإنه ليس في الأئمة الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه.
وأما الشروط الفاسدة فهي كل شرط خالف مقصود الشارع كما سيأتي بيانه - إن شاء الله تعالى -، وهذا المعنى هو الذي يشهد له الكتاب والسنة، فإن المشترط ليس له أن يبيح ما حرمه الله، ولا يحرم ما أحل الله، فإن شرطه حينئذٍ يكون مبطلاً لحكم الله، وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما ليس واجبًا بأصل الشرع، ذلك لأن مقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبًا، والتزام ما لم يكن لازمًا، فأما ما كان واجبًا بأصل الشرع فلا داعي لاشتراطه وما كان حرامًا فإنه لا يكون حلالاً بمجرد الاشتراط، فإذا فهمت هذا الأصل فإنه سوف يتبين لك إخلال كثير من الفقهاء به، وأن بعضهم يحرم من الشروط ما لا دليل له على تحريمه.
ونضرب بعض الفروع لهذا الأصل حتى يتضح:
منها: قال الأصحاب: ولا يصح كل بيع علق على شرط مستقبل غير قوله - إن شاء الله -، أو بيع العربون، أما غيرهما فلا يصح ولذلك اشترطوا لصحة البيع أن يقع منجزًا لا معلقًا. ولا دليل لهم على هذا، بل ليس في الأدلة الشرعية ولا القواعد الفقهية ما يمنع تعليق البيع بالشرط، والحق جوازه، لأن الأصل في هذه الشروط هو الحل والإباحة إلا بدليل، فأين الدليل الذي يمنع من تعليق صحة البيع على شرطٍ مستقبل؟! فإذا لم يكن ثمة دليل يمنع فالقول بجوازه هو المتعين؛ لأنه مما أحل الله تعالى ولا يجوز تحريم ما أحل الله، واختار هذا القول شيخ الإسلام تقي الدين وابن القيم.