مخصوصة من عموم النهي لأمرين: أحدهما: أن الأدلة أجازت ذلك وندبت إليه في ذوات الأسباب خاصة. والثاني: أن هذه الصلوات المذكورة أعني ذوات الأسباب مرتبطة بسببها وهي تفوت بفواته فإذا فات سببها فاتت وإذا فاتت فقد فاتت مصلحتها فعندنا الآن مصلحة فعلها لئلا تفوت بفوات سببها ومصلحة مخالفة المشركين، والأدلة رجحت فعلها وإدراك مصلحتها ولم تنظر إلى المفسدة المقابلة، ذلك لأن مصلحة تحصيل هذه الصلوات أكبر من مراعاة مصلحة مخالفة المشركين وإذا تعارضت مصلحتان فإننا نفوت أدناهما بتحصيل كبراهما، كما أنه إذا تعارضت مفسدتان روعي اجتناب أشدهما بارتكاب أخفهما، فإذًا نقول: المصلحة في فعل ذوات الأسباب موجودة متحققة وإن فعلت في أوقات النهي فهي الفاضلة أبدًا، أما بقية التطوعات التي لا سبب لها فإنها لا تفوت مصلحتها بالمنع من فعلها في أوقات النهي، إذ أنها لا تفوت فيمكن التطوع في غير هذه الأوقات وبهذا يتحرر الجواب ولله الحمد والمنة.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا: المعقول وهو أن الشيء إذا كان أفضل على تقدير لم يلزم أن يكون هو الأفضل دائمًا وأبدًا، فالذهب مثلاً أفضل من الحديد والنحاس وغيرهما من المعادن،لكن قد تكون هذه المعادن مقدمة على الذهب عند الحاجة إليها دونه وهنا يرتقي المفضول حتى يصير فاضلاً، ولولا خوف الإطالة لسردت جميع الأدلة الدالة على هذا الأصل الكبير لكن لعل ما مضى فيه كفاية - إن شاء الله تعالى -.
وإليك بعض الفروع على ذلك الأصل المهم حتى ترى كيف تأثير المصلحة في تفاضل العبادات فأقول:
منها: جميع ما مضى في الأدلة هي أدلة وفروع لهذه القاعدة الكلية.