منها: اختلف العلماء فيما صاده الكلب بفمه، هل يجب غسله أو لا؟ على أقوال والراجح عدم الوجوب، وذلك لأن الله تعالى قال:{مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} فأجاز لنا أن نأكل من صيد الكلب بشرطين: أن يكون معلمًا، وأن نذكر اسم الله عليه، ولم يأمر بغسل الصيد فلو كان واجبًا لأمر به؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عدي بن حاتم:(إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل) الحديث. ولم يأمر بغسل الصيد؛ ولأن صيد الكلب المعلم يجوز أكله بهذه الأدلة، فإذا ثبت جواز صيده شرعًا فإن ضرره يرتفع قدرًا، فالضرر الذي من أجله أمرنا أن نغسل منه الإناء سبعًا إحداها بتراب قد ارتفع هنا وذلك لجواز أكل ما صاده، وما جاز شرعًا ارتفع ضرره قدرًا، فالله جل وعلا لم يأمر بغسل ما صاده لعلمه جل وعلا انتفاء الضرر من لعابه، والله أعلم.
ومنها: الأصل تحريم الأكل من الميتة لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} ، لكن إذا اضطر الإنسان لها وأشرف على الهلاك ولا شيء عنده يستغني به عنها فإن الشريعة حينئذٍ تجيز له الأكل من هذه الميتة بقدر الضرورة، فإذا ثبت جواز الأكل منها شرعًا فإن ضرر الميتة يرتفع قدرًا فلذلك يأكل منها المضطر والدود يتهاوى منها ورائحتها منتنة ومع ذلك لا يتأثر - بإذن الله تعالى؛ لأنه أكلها في حالٍ يجوز له الأكل منها والجواز الشرعي رافع للضر القدري (١) .
(١) اج هذا الأمر إلى دليل فقد يقول قائل: إن ما فيها من المضرة منغمرة في جانب مصلحة حفظ النفس فهلاك النفس أعظم من ضررها لو كان محققاً فكيف وهو محتمل خاضع لمشيئة الله وقدره.