وعلى ذلك قس بقية ما قال فيه العلماء إنه من الغيبة الجائزة، والله أعلم.
ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أصحابه عن كثرة سؤاله وكان يقول:(ذروني ما تركتكم) مع أن سؤاله عن بعض الأشياء فيه مصلحة لهم، لكن أيضًا مصلحة إبقاء الذمة بريئة من التكاليف أكبر، ذلك لأنهم لو أكثروا السؤال لشدد الله عليهم بكثرة التكاليف، فقال لهم:(ذروني ما تركتكم) ففوت المصلحة الصغرى التي هي زيادة علمهم لتتحقق المصلحة الكبرى وهي بقاء ذمتهم بريئة من التكاليف؛ لأنه إذا تعارض مصلحتان روعي أكبرهما بتفويت أصغرهما، والله أعلم.
ومنها: النهي عن الصلاة بعد العصر والفجر فيه مفسدتان ومصلحتان، فالمفسدتان هما: الأولى: ترك الصلاة النافلة بلا سبب. والثانية: التشبه بالمشركين في سجودهم للشمس في هذه الأوقات فروعيت هذه المفسدة الكبرى أعني مفسدة التشبه بالمشركين بارتكاب المفسدة الصغرى التي هي ترك الصلاة. وأما المصلحتان: فالأولى: فعل الصلاة النافلة في هذه الأوقات. والثانية: مصلحة عدم التشبه بالمشركين، ولاشك أن المصلحة الثانية أكبر فروعيت بتفويت المصلحة الصغرى تحقيقًا لهذا الأصل العظيم.
ومنها: النهي عن الصلاة حال حضور طعام تشتهيه أو وهو يدافع الأخبثين كما في حديث عائشة المشهور عند مسلم، فإن فيه مفسدتان: الأولى: مفسدة ذهاب الخشوع بسبب التفكير في الطعام ومدافعة الأخبثين. والثانية: مفسدة تأخير الصلاة عن أول الوقت أو تفويت الجماعة، لكن لاشك أن مفسدة ذهاب الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها أشد وأكبر من مفسدة فوات الجماعة فروعيت المفسدة الكبرى بارتكاب أدناهما وكذلك فيه مصلحتان: الأولى: الصلاة بخشوع القلب بسبب عدم الشواغل. والثانية: الصلاة في أول الوقت أو مع الجماعة، ولكن روعيت المصلحة الأولى بتفويت المصلحة الثانية؛ لأن الأولى أكبر من الثانية، والله أعلم.