الحكم على أصحابها، فحينئذٍ لابد من الجمع بين هذه الأدلة، أعني بين الأدلة التي تجعل للمقاصد أعظم الأثر في حل الشيء وحرمته وصحته وفساده وبين الأدلة التي تدل على أن النظر في المقاصد والنيات إنما هو لله وحده، وقد أجاب عنها ابن القيم أجمل جواب وأنا أنقل لك ملخصه، فأقول: الألفاظ إنما وضعت للدلالة على ما في النفوس، فإذا أراد أحد منا شيئًا من أخيه عرفه بمراده وما في نفسه بلفظه ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ، والشارع الحكيم لم يرتب الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة قولٍ أو فعلٍ لما في الصحيح من حديث أبي هريرة مرفوعًا:(إن الله تبارك وتعالى تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وكذا لم ترتب الأحكام على مجرد ألفاظ مع العلم بأن المتكلم بها لم يرد معانيها ولم يحط بها علمًا، بدليل أنه لم يرتب حكمًا على كلام النائم والناسي والمخطئ والمكره والسكران والغضبان، وأدلة ذلك مشهورة معروفة.
إذا علمت ذلك فاعلم أن الألفاظ ثلاثة:
الأول: أن تظهر مطابقة القصد للفظ وللظهور مراتب تنتهي إلى مرتبة اليقين ككلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعقلاء الخلق فإنه حينئذٍ يجب حمل كلامه على ظاهره، أعني إذا قصد المتكلم لمعنى الكلام فإنه يجب حمله على ظاهره ولا يجوز إهمال ألفاظه، بل تحمل على معانيها وحقائقها اللغوية وهذا حق لا ينازع فيه عالم.