للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: ألفاظ نعلم نحن علم اليقين أحيانًا أو بغلبة الظن أن المتلفظ بها لا يريد معناها وحقيقتها، وهو نوعان: إما أن نعلم أنه ليس مريدًا لمقتضاها ولا لغيره، وإما أن نعلم أنه ليس مريدًا لمقتضاها ولكنه يريد غيره، فالأول ككلام النائم والمخطئ والناسي والمجنون ومن اشتد عليه الغضب والسكر والمكره، والثاني: كالمعرض والمورِّي والملغز والمتأول. فهؤلاء لاشك لا عبرة بألفاظهم؛ لأننا نعلم أو يغلب على ظننا أنهم لم يريدوا حقائقها ومعانيها، وفي ذلك نزاع عند البعض لكن هذا هو الراجح.

الثالث: ألفاظ تقتضي أحكامًا لكن ظهر من المتلفظ بها إرادة غير حقيقتها، أعني أن شواهد الحال وقرائن الواقعة توصلنا إلى اليقين أحيانًا أو غلبة الظن أحيانًا إلى أن المتلفظ بها ما أراد حقيقتها ولا معناها وإنما أراد شيئًا آخر، فهل حينئذٍ العبرة بظواهر الألفاظ وإن ظهرت المقاصد والنيات بخلافها؟ أم للمقصود والنيات تأثير يوجب الالتفات إليها ومراعاة جانبها؟ هذا هو محط رحالنا في هذه القاعدة، فنحن إنما نعمل الألفاظ على ظاهرها إذا لم تظهر النيات بخلافها أما إذا ظهرت بخلافها فلا، وهذا هو وجه الجمع بين الأدلة المتقدمة وهو جمع حسن جدًا، والله أعلم.

وإليك الآن بعض الفروع التي تبين أن القصود في العقود معتبرة فأقول:

منها: من اشترى سلاحًا في فتنة، فإن كان يقصد به إعانة ولي الأمر على إطفائها والقتال معه فهذا مأجور على هذه النية، وإن كان يقصد بشرائه قتل المسلمين به ظلمًا وعدوانًا فهو مأزور مع أن صورة البيع واحدة لكن اختلف باختلاف المقاصد.

ومنها: من اشترى جارية ينوي أن تكون لموكله فإنها تحرم على المشتري، وإن نوى أنها له فإنها تحل له، مع أن صورة البيع واحدة لكن اختلفت حلاً وحرمة باختلاف المقاصد والبواعث.

<<  <  ج: ص:  >  >>