ومنها: قول المأموم (استعنا بالله) أو (بالله أستعين) عند قول الإمام في الفاتحة (إياك نعبد وإياك نستعين) : فإن بعض الناس يقول ذلك، فنقول: هذا القول توفر سببه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله ولم يأمر به الصحابة أن يفعلوه مما يدل على أن المشروع تركه إذ لو كان هذا القول سنة لأمر به أو فعله (١) ، فلما لم يأمر به ولم يفعله عرفنا بذلك أن المشروع تركه، والله أعلى وأعلم.
ومنها: صلاة الرغائب: توفر سببها على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعلها فالمشروع عدم فعلها، إذ لو كانت مشروعة لفعلها ولو مرة واحدة، فلما لم يفعلها دل على أنها ليست من الشريعة في شيء، والله أعلم.
ومنها: صيام رجب كله أو بعضه لاعتقاد فضيلته: فعلٌ توفر سببه على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يصمه، فدل على أن المشروع تركه.
ولعل القاعدة بهذه الفروع قد اتضحت، والضابط في هذه القاعدة أن يبحث الفقيه عن هذا القول أو هذا الفعل هل هو مما فعله أو قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لا؟ فإن كان الجواب: نعم، فهذا لا كلام فيه. وإن كان الجواب: لا، فقل: لو كان مشروعًا لفعله لتوفر سببه فهو لم يتركه إلا لأنه ليس بمشروع، والله تعالى أعلى وأعلم.
مسألة: إن قلت: هل تركه - صلى الله عليه وسلم - يدل على كراهة الفعل أو القول المتروك أم يدل على تحريمه؟ قلت: إن تركه للفعل لا يخلو من حالتين: إما أن يكون مجردًا عن نهي قولي، وإما أن يكون مقروناً بنهي قولي، فإن كان مقرونًا بنهيٍ قولي فإنه يدل على تحريم الفعل كتركه للبناء على القبور فعلٌ اقترن بالنهي عن البناء عليها في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته) وغير ذلك، فهذا الترك يدل على تحريم الفعل.
(١) ثم إنه تحصل حاصل لأن المأموم يؤمن على دعاء الإمام وهذا ثناء على الله قبل الدعاء وإقرار بالتوحيد.