للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اعلم أنه إذا كانت لا تندفع الضرورة إلا باستعمال ملك الغير (١) فإنه يجوز له استعماله إذا لم تتعلق به ضرورة مالكه، ولا يجوز لهذا المالك أن يمنع صاحب الضرورة من القدر الذي تندفع به ضرورته فإن منعه فلصاحب الضرورة قهره عليه واستعماله ولو بغير إذنه لكن يضمن صاحب الضرورة هذا المال إن كان طعامًا ضمن بدله أو ثمنه وهكذا، والقاعدة عند العلماء تقول: (الاضطرار لا يبطل حق الغير) (٢) فعلى صاحب الضرورة ضمان ما أتلفه بسبب دفع ضرورته إذا لم يتبرع بها صاحب الملك، والله أعلم.

ثم اعلم أنه يجب أن يفرق الإنسان من حالة الضرورة وبين الحاجة فلا يخلط بينهما (٣) فحالة الحاجة لا يؤدي عدم مراعاتها إلى تلف النفس أو الطرف بخلاف حالة الضرورة.

ولكي تتضح هذه القاعدة نذكر بعض فروعها:

فمنها: من بلغ به الجوع حد الهلاك وليس عنده ما يطعمه إلا ميتة فيجوز له أن يأكل منها بقدر ما تندفع به الضرورة وليس له أن يشبع منها، بل يأكل ما يقيم أوده فقط.

ومنها: من غص وليس عنده ما يدفع به غصته إلا خمراً فله أن يشرب منه بالقدر الذي تندفع به الضرورة فقط.

ومنها: من اضطر إلى لبس الحرير لمرضٍ به كحكة أو نحوها فإنه يجوز له ذلك كما في الحديث عن أنس: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير في سفرٍ من حكةٍ كانت بهما) (٤) متفق عليه. وسيأتي زيادة إيضاح لذلك.


(١) لأن أل لا تدخل إلى غير في اللغة وإن استعمل ذلك بعض الفقهاء.
(٢) هذه القاعدة فيها خلاف، فمن أهل العلم من يرى أن إطعام الجائع فرض كفايه وهذا مضطر فإن كان فقيراً لا يجد ضمان فتناوله لم يلزمه شيء.
(٣) لكن المُحرم لغيره تبيحه الحاجه لا الضرورة كلبس الحرير لمن به حكه كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف بلبس الحرير لحكة بهما كما في الصحيحين من حديث أنس.
(٤) هذا تبيحه الحاجه كما أسلفت.

<<  <  ج: ص:  >  >>