للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا علمت هذا فاعلم أن الذي تطمئن إليه النفس وترتاح له هو أن يفعل الإنسان الشيء الذي اتفق عليه كلا الفريقين إذا لا منكر عليه حينئذٍ؛ ولأنه موافق للحق قطعًا إن كان مع هؤلاء فهو موافق لهم، وإن كان مع هؤلاء فهو موافق لهم، فالخروج من الخلاف في مسائل الاجتهاد التي فيها جزئية اتفق عليها كلا الفريقين المختلفين مستحب (١) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وفعل المتفق عليه بينهم فعل ما لا ريب فيه، وفعل ما انفرد به أحدهما فعل ما فيه ريب (٢) ، فيسن تركه لما لا ريب فيه، ولحديث النعمان بن بشير مرفوعًا: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينة وعرضه) ، وفعل ما اتفقوا عليه استبراء للدين؛ لأنه هو الحق حينئذٍ لاتفاقهم عليه؛ ولأن اليقين لا يزول بالشك، واليقين هو فعل ما اتفقوا عليه والشك هو في ما انفرد به أحدهما؛ ولأن الأخذ بالمحكم وترك المتشابه هو الأصل، والمحكم هو ما اتفقوا عليه؛ ولأن العمل بما اتفقوا عليه عمل بالأدلة كلها التي مع هؤلاء والتي مع هؤلاء، والعمل بما انفرد به أحدهما إهمال لأدلة الفريق الآخر وقد تقدم استحباب العمل بالأدلة كلها إن أمكن ذلك.

إذا علمت هذا فإلى الفروع حتى تتضح القاعدة أكثر فأقول:

منها: اختلف العلماء في حكم غسل يوم الجمعة على أقوال: فقيل: بالوجوب مطلقًا، وقيل بالسنة مطلقًا، وقيل بالوجوب إن كان ثمَّ رائحة خبيثة.


(١) لو قيل مما ينبغي لأن الأمثلة المذكورة بعد الإستحباب فيها ثابت بالدليل لكن النزاع في الوجوب، لكن لو اختلف على قولين بالتحريم والإباحة فيستحب التورع بالدليل المذكور لأن الحديث الوارد في المنهيات لقوله " دع " وفي الحديث الآخر " ألا وإن حمى الله محارمه ".
(٢) وخصوصاً مع قوة الخلاف وعدم اتضاح وجهة الدليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>