فهنا لا يسوغ التعليل بالخلاف؛ لأنه ليس هناك جزئيةٌ اتفق عليها الفقهاء، فهو إن قطع صلاته ليعيدها بطهارة الماء أنكر عليه القائلون بالصحة، وإن استمر فيها أنكر عليه القائلون ببطلانها، فلا وجه للتعليل بقاعدتنا هنا، وتقدم لك الراجح في هذه المسألة في القاعدة الخامسة فارجع إليه إن شئت.
ومنها: اختلف العلماء هل السنة أن ينزل الإنسان على يديه أم ركبتيه؟
على قولين: فقيل بهذا، وقيل بهذا. فهنا لا يسوغ التعليل بالخروج من الخلاف؛ لأنه ليس ثمة نقطة اتفق عليها العلماء، فإنك إن نزلت على ركبتيك أنكر عليك القائلون بتقديم اليدين، وإن نزلت على يديك أنكر عليك القائلون بالنزول على الركبتين، ولا يتصور النزول على غيرهما. فليس هناك جزئية اتفقوا عليها فلا يسوغ حينئذٍ التعليل بالخروج من الخلاف، والراجح هنا هو تقديم اليدين لحديث أبي هريرة عند الثلاثة، ويؤيده فعل ابن عمر عند البخاري معلقًا موقوفًا، وأما حديث وائل ففيه شريك بن عبد الله النخعي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيرًا، ولها بحث آخر، والله أعلم.
ومنها: تحية المسجد أو فعل ما له سبب وقت النهي، فيه قولان: قيل بأن النهي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة عام ولا يخص منه شيء، وقيل يخص منه ما كان له سبب، فنحن إن دخلنا المسجد وقت النهي مثلاً إن جلسنا أنكر علينا القائلون بجواز فعلها في هذه الأوقات، وإن صلينا أنكر علينا القائلون بتحريم التطوع وقت النهي، فليس هناك جزئية اتفقوا عليها فلا يسوغ حينئذٍ التعليل بالخروج من الخلاف، والراجح هنا هو أن النهي عام مخصوص بما له سبب كتحية المسجد، وركعتي الطواف، والمعادة، وركعتي الوضوء؛ لأنها تفوت مصلحتها بفواتها وهو اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية
ودونك بقية الفروع على هذا الضابط السليم الذي لا ينخرم أبدًا فعليه فقس، وأكل لحم الإبل (١) ، والله أعلم.