بعض! ثم يرد بونبوناتزي على الحجة التي تستنتج ضرورة الثواب والعقاب, فيقول: إنها قائمة على تصور خاطئ، أو على الأقل ناقص، للفضيلة والرذيلة والثواب والعقاب. إن الفضيلة التي تصنع بغية ثواب مغاير لها، ليست فضيلة، يشهد بذلك أننا جميعًا نعتبر الفعل النزيه أجمل من الفعل النفعي, والثواب الحق هو الفضيلة نفسها وما يلحقها من اغتباط؛ أما الأجر المغاير للفضيلة، فثواب عرضي لا يمتّ إلى الفضيلة بسبب. وكذلك الحال في الرذيلة، فإنها تنطوي على عقابها، حتى ولو لم يلحقها ألم خارجي. إن الغاية الطبيعية للإنسان هي طبيعته الإنسانية، وإن في كرامة الفضيلة وعار الرذيلة لسببًا كافيًا لمحبة الأولى والترفع عن الثانية, فليس يسوغ للإنسان، سواء أكان فانيًا أم خالدًا، أن يحيد عن طريق الخبر. أما أن الشعب يصنع الخير ابتغاء ثواب أخروي، ويجتنب الشر خشية جهنم، فهذا يدل على أن أفكاره الأخلاقية ما تزال في الطفولة، وأنه بحاجة إلى الوعد والوعيد حيث يصدر الفيلسوف عن المبادئ ليس غير. المشرعون هم الذين ابتكروا الاعتقاد بالخلود، لا عناية منهم بالحقيقة، بل حرصًا على الخير العام. وبونبوناتزي على حق فيما يثبت من أن الطبيعة الإنسانية مقياس الخير والشر، وأنه يجب إتيان الفضيلة لذات الفضيلة، واجتناب الرذيلة لذات الرذيلة, ولكنه على باطل فيما يريد أن ينفي, فليست الفضيلة غاية في ذاتها, وإنما غاية الإنسان وسعادته نظرية، والمسيحية تعلم أن مثل هذه السعادة تتحقق بمعاينة الله، وأن عقاب الرذيلة الحرمان من الله، فإذا كان الثواب والعقاب الأخرويان مغايرين للفضيلة والرذيلة بما هما كذلك، فإن الثواب الأخروي ذاتي للإنسان الفاضل الذي يتوجه إلى الفضيلة لكونه إنسانًا ويتخذ منها وسيلة لتغليب الإنسانية على البهيمية، والعقاب الأخروي ذاتي للإنسان الرذيل الذي يتحول عن إنسانيته. وبونبوناتزي بعد لا يستطيع أن يعين أساسًا للواجب ومبدأ ملزمًا به, فيدعه لمحض مشيئة الشخص. وتعد محاولته هذه نموذجًا للأخلاق الطبيعية المستقلة عن الفلسفة والدين.
ج- وله كتاب "في القدر والحرية وانتخاب الله للمخلوقات"" ١٥٢٥ " يذهب فيه إلى أن الحرية الإنسانية ثابتة بالتجربة، وأن العناية الإلهية ترجع إلى الإيمان، ولا يمكن التوفيق بينهما؛ لأن في وضع الواحدة رفعًا للأخرى. ويعرض لمسألة الشر، فيبرره بأنه داخل في نظام العالم، وأنه شرط الخير، كما يفعل