أ- أوجست كونت صاحب "الفلسفة الواقعية" ولكن فكره تكون بجانب الكونت دي سان سيمون, وتأثر من غير شك بشارل فوريي، وهما مصلحان اجتماعيان، فنقدم الكلام عليهما، وثلاثتهم يصدرون عن نفس الدواعي التي صدر عنها السلفيون، هي أن المجتمع يتدهور فيجب إعادة تنظيمه، وهو لا ينظم إلا بسلطة روحية توحد بين العقول، إلا أن هذه السلطة عند الواقعيين ليست الكنيسة, بل العلم الذي يضع حدًّا لفوضى الأفكار، ويوفر أسباب التنظيم والتعمير، وينتهي إلى دين جديد.
ب- كان سان سيمون مغامرًا في الحياة وفي الفكر. تطوع لنصرة الولايات المتحدة في حربها الاستقلالية، وقام بمشروعات صناعية، وفي أثناء الثورة نزل عن لقب الكونتية, وسجن ثم أخلي سبيله. خرج من الثورة بأن العصر الوسيط كان عصر تنظيم عقب انحلال الإمبراطورية الرومانية وحروب البرابرة، فكانت أوروبا خلاله مرتبطة بعقيدة مشتركة، ولم يكن القساوسة دجالين كما يزعم فولتير، بل كانوا أكثر أفراد الشعب استنارة. ولكن النقد ثم الثورة حَطَمَا هذا النظام، فسادت فوضى أخلاقية واجتماعية قوامها الإنكار والأنانية. فيتعين العمل على إقامة نظام جديد بوساطة العلم الواقعي. ولم يكن تلقى ثقافة علمية، فقرب إليه بعض خريجي مدرسة الهندسة ومدرسة الطب ليتمكن من تدوين موسوعة علمية تتخذ أساسًا للإصلاح، وكان كونت واحدًا من هؤلاء فكان كاتبًا له ومعاونًا مدة من الزمن. وأخذ سان سيمون عن طبيب مغمور من معاصريه، هو الدكتور بوردان Burdin أن العلوم بدأت تخمينية ثم تدرجت إلى الحال الواقعي بحسب بساطة موضوعها، فتكونت الرياضيات وتبعها الفلك فالكيمياء. وكان هذا الطبيب يقسم تاريخ العقل الإنساني إلى ثلاثة عصور: الأول تخميني يذهب من تعدد الآلهة إلى إله واحد، والثاني وسط بين التخمين والواقعية يذهب