للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المقالة الأولى: الفلسفة في ألمانيا]

[مدخل]

...

[المقالة الأولى: الفلسفة في ألمانيا]

١١٠ - تمهيد:

أ- ألح كنط في بيان أن الفكر فاعل أصيل مركب لموضوعاته، ثم اعتقد بمادة للمعرفة آتية من خارج، فحد من سلطان الفكر وعلق فعله على شيء مغاير له، وهو القائل: إن استخدام مبدأ العلية للخروج من التصور إلى الوجود مجاوزة لقانون الفكر. فقام جيل من الفلاسفة اعتنقوا مبدأ فاعلية الفكر إطلاقًا، فاشتركوا في التصورية المطلقة وفي وحدة الوجود؛ كل منهم يضع مبدأ واحدًا مطلقًا، ويستنبط منه مبادئ فرعية، ويفسر بها جميع العالم والحياة وما تبدو فيه الحياة من تاريخ وعلم ودين وفن. وهم إذ يصحِّحون كنط في هذه النقطة، يعودون في الحقيقة إلى صميم مذهبه، ويعودون إلى النزعة الألمانية الدفينة التي صادفناها عند ديكارت وبوهمي مثلًا، وهي نزعة الحياة المتدفقة من باطن إلى ظاهر، الصادرة عن الواحد إلى الكثير.

ب- كانت هذه النزعة ممثلة أيضًا في عقلية العصر وحاجاته, فقد كانت البروتستانتية أفرغت الدين من كل عقيدة معينة وردته إلى مجال العاطفة فحسب، وأطلقت للنفس العنان تذهب في الرومانتية كل مذهب معتزة بحريتها, متمردة على كل سلطان أو رقيب. وكانت الثورة الفرنسية محاولة جريئة لإعادة بناء المجتمع على مبادئ كلية ومعانٍ مجردة، وسرعان ما هاجت الأفكار والعواطف في أرجاء القارة الأوروبية. وكان الشعر الألماني في عصره الذهبي، عصر جوتي وشيلر اللذين أبدعا في الإعراب عن نوازع الحياة. فأراد الفلاسفة أن يقلدوا الفنانين فيجعلوا من العلم والشعر شيئًا واحدًا, أعني: مظهرين لقوة خالقة واحدة بعينها، فجاءت مذاهبهم رومانتية، وماهية الرومانتية، على ما عرّفها أحد أركانها نوفاليس، تعميم أو إطلاق الموقف الفردي، في حين أن الكلاسيكية تستوحي الكلي المطلق في الإنسان أي: الماهية، فتصدر عن العقل وتخاطب العقل، وتصدر الرومانتية عن الشعور الفردي وترمي إلى إثارة الشعور في أغمض صوره، ومن هنا جاء ميل

<<  <   >  >>