أ- ولد بلاهي من أعمال مقاطعة تورين بفرنسا. ولما بلغ الثامنة أدخل مدرسة "لافليش" للآباء اليسوعيين، وكانت من أشهر المدارس في أوروبا، فمكث بها ثماني سنين حتى أتم برنامج الدراسة فيها. وكانت الفلسفة تحتل في هذا البرنامج مكانًا فسيحًا، فتمتد على الثلاث السنوات الأخيرة، وكان تدريسها عبارة عن شرح كتب أرسطو موزعة إلى مجموعات ثلاث, لكل سنة مجموعة: كتب المنطق، فكتب الطبيعيات "وإلى جانبها الرياضيات"، فكتاب النفس وكتاب ما بعد الطبيعة. وأعجب ديكارت بوضوح الرياضيات ودقتها وإحكام براهينها؛ أما الفلسفة فتركت في نفسه أثرًا سيئًا لكثرة ما فيها من أخذ ورد، واعتقد أن اختلاف الفلاسفة مدعاة للشك في الفلسفة وفي باقي العلوم التي إنما تقوم على الفلسفة وتستمد منها مبادئها. هذا ما نقرأ في "المقال في المنهج" ولعل ديكارت يضيف إلى عهد الصبا حكمًا نضج عنده فيما بعد. على أن من المحقق أنه تعلق بالرياضيات وانصرف عن الفلسفة إلى زمن، ولم يكن يخصص لها سوى "ساعات في العام".
ب- غادر إذن المدرسة في السادسة عشرة. وبعد أربع سنين " ١٦١٦ " تقدم لامتحان القانون في بواتيني ونال الإجازة. وبعد سنتين تطوع للخدمة في جيش الأمير موريس دي ناسو بهولندا، وكانت حينذاك حليفة فرنسا على أسبانيا، وعرف هناك طبيبًا شابًّا يدعى إسحاق بكمان "أيقظه من سباته" على حد قوله، إذ عرض عليه عددًا وفيرًا من المسائل الرياضية والطبيعية وكانا يعالجانها معًا؛
١ نشر هذا الفصل أولًا في مجلة المقتطف " ١٩٣٧ " بمناسبة احتفال فرنسا، واحتفال المعاهد العلمية في أنحاء العالم بانقضاء ثلاثة قرون على نشر ديكارت كتابه الشهير "مقال في المنهج" وأثبتناه هنا مع بعض تنقيح وزيادة.