أ- منذ أوائل القرن قامت في جامعة أكسفورد معارضة شديدة للمذهب التجريبي صادرة بالأكثر عن أسباب دينية، ثم ظهرت فيها معارضة فلسفية تعتمد على الفلسفة الألمانية وبخاصة على مذهب هجل، كما اعتمدت عليها المعارضة السابقة الممثلة بكولريدج وكارليل وهاملتون، غير أن الفلسفة الألمانية لم تدرس دراسة جدية في إنجلترا إلا في هذه الفترة الثانية أي: في الربع الأخير من القرن، وكانت جامعة أكسفورد هي المتقدمة في هذا المضمار. ولكن هذه الحركة الدينية الثانية تجرد الدين عن العقائد السلفية ولا تحتفظ إلا بالعاطفة الدينية خالصة. لذا لم يرض عنها المؤمنون وعدوها أشد خطرًا من الإلحاد السافر.
ب- من أبرز رجال الحركة الأولى نيومان. قرأ هيوم واعتقد مثله أن الاستدلال عاجز عن توفير اليقين, ولكنه كان منذ حداثته شديد التقوى حتى كان مقتنعًا اقتناعًا يمكن أن يسمى عمليا أو تجريبيا بوجود الله كما يظهرنا عليه الإنجيل، فرأى أن الذي يبحث عن الجماعة الدينية التي احتفظت للآن بالحياة الإنجيلية، فلن يجدها إلا في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. فانضم إليها " ١٨٤٥ " وصار قسيسًا فكردينالًا.
ج- لم يبق طبعًا على تشككه في العقل, ولكنه ميز بين ضربين من التصديق: أحدهما يرجع إلى المعرفة التجريدية التي هي ثمرة استدلالات العقل النظري, والتي تظل بلا أثر فعال في السيرة، والضرب الآخر تصديق محسوس يخرج من صميم النفس ويقيد الحياة بأكملها. ومصدر هذا التصديق الضمير الذي هو القانون الإلهي للخلقية تدركه كل نفس في ذاتها. فالدين الحق هو الذي يقابل صوت الضمير ويدفع بالحياة الروحية إلى قمتها. وهو في هذا يساير هيوم الذي ميز بين "المعرفة" التي هي شكية حتمًا, وبين التصديق العملي بدوافع الطبيعة