أ- الفلسفة الإنجليزية في نصف القرن هذا موزعة بين تصورية هجلية وتصورية طبيعية وتصورية منطقية رياضية وحسية وبراجماتزم؛ وهي تدل على مقدرة جدلية ملحوظة، ولا تحتوي على ابتكار. كان برادلي أبرع وأعمق ممثل للهجلية وإن يكن نبذ مذهب هجل بما هو كذلك في وقت مبكر, فقد تخرج في جامعة إكسفورد, وصار أستاذًا فيها ينزع نزعتها وهو متأثر بكتب جرين وهجل ولوتزي. وإنما أقبل على الفلسفة الألمانية بعد أن رأى استحالة اعتبار الوجدان سلسلة ظواهر مستقلة، كما يرى المذهب التجريبي الإنجليزي؛ لاستحالة إدراك مثل هذه السلسلة لنفسها، وهي الاستحالة التي وقف عندها لوك وهيوم ومل كما رأينا. ويحكم برادلي على المذاهب الإنجليزية حكمًا صارمًا، فيأخذ عليها الحسية والنفعية وضيق النظر والتعصب للرأي وبخاصة في المسألة الدينية، ويرمي إلى تطهير الأذهان من هذه النزعات. فكان أول كتاب مهم له "دراسات أخلاقية"" ١٨٧٧ " فيه نقد بارع لمذهب اللذة في الأخلاق، وأردفه بكتاب "مبادئ المنطق"" ١٨٨٣ " حلل فيه مسائل الاستدلال والحكم وعرض نظرية المعرفة؛ وبعد عشر سنين نشر كتابه الأكبر "الظاهر والحقيقة" أجمل فيه مذهبه في الوجود, وله مقالات في مجلة "مايند".
ب- في "الدراسات الأخلاقية" يعارض تصور المدرسة الحسية للوجدان، ويصف الوجدان بأنه "كل مغلق غني معًا" وأن فيه ميلا أخلاقيا وآخر نظريا: الميل الأخلاقي يدفع بالإنسان إلى تحقيق إنيته في صورة كل منسجم مغلق أي: مستقل بنفسه؛ والميل النظري يدفع بنا إلى اعتقاد الوجود كلا مترابط الأجزاء مغلقا, فإذا كنا لا نستطيع أن نصير كلا بذاتنا، وجب أن نجعل من ذاتنا جزءا من كل أوسع؛ وإذا بدت لنا متناقضات في كل صغير، وجب أن نتصور كلا أكبر. هناك إذن توافق بين طبيعتنا العملية وطبيعتنا النظرية؛ ولنا من طبيعتنا مقياس نعلم