[المقالة الثالثة: الفلسفة في ألمانيا إمانويل كنط " ١٧٢٤ - ١٨٠٤ "]
[الفصل الأول: حياته ومصنفاته]
٩٤ - من ليبنتز إلى هيوم:
أ- قيل عن سقراط: إنه يشطر الفلسفة اليونانية شطرين: ما قبله وما بعده, ودعا ديكارت أبا الفلسفة الحديثة, واعتبر الحد الفاصل بين القديم والجديد في تطور الفكر الأوروبي. كذلك نقول عن كنط: إنه يشطر الفلسفة الحديثة نفسها شطرين. أجل لقد أخذ الشيء الكثير عمن سبقوه، من ديكارت إلى هيوم وروسو، وجرى في تيارهم، ولكن تفكيره أدى به إلى وجهة جديدة سيطرت على القرن التاسع عشر، ولم تبدأ العقول في التحرر منها إلا منذ عهد قريب. وسنحاول أولًا أن نبين تدرج هذا التفكير, فنترجم لحياة كنط العقلية، وهي تكاد تكون كل حياته، فقد تقضت حياته الخارجية في مدينة واحدة أو منطقة واحدة، وكانت منظمة تنظيمًا دقيقًا تسير كالآلة في العمل والراحة والنوم، ولا يتخللها من حوادث سوى الحوادث العلمية.
ب- ولد كنط بكونجسبرج من أبوين فقيرين على جانب عظيم من التقوى والفضيلة، ينتميان إلى شيعة بروتستانتية تدعى الشيعة التقوية PIETISME تستمسك بالعقيدة اللوثرية الأساسية القائلة: إن الإيمان يبرر المؤمن، وترى أن محل الدين الإرادة لا العقل، وتعلي من شأن القلب والحياة الباطنة، ومن ثمة تقول: إن الإيمان الحق هو الذي تؤيده الأعمال، وتعتبر المسيحية في جوهرها تقوى