للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحبة الله، وتعتبر اللاهوت تفسيرًا مصطنعًا أقحم عليها إقحامًا. نشأ كنط على هذا المذهب وتشبع به في المنزل والمدرسة والجامعة؛ فكان لذلك أثره في توجيه فكره حتى كوّن فلسفة تميز تمييزًا باتًّا بين صورة خالصة ومادة، وحتى قال في وصف هذه الفلسفة:"أردت أن أهدم العلم "بما بعد الطبيعة" لأقيم الإيمان".

ج- دخل في الثامنة إحدى المدارس التابعة للشيعة التقوية، وأتم برنامجها في السادسة عشرة. وكان أظهر ما أفاده فيها شيئين: إعجابًا باللغة اللاتينية وما تنطوي عليه قواعدها وتراكيبها من روح الجد والنظام، حتى كان مطمحه حين ذاك أن يتوفر على فقه اللغة؛ وإعجابًا بالرواقية الرومانية وما تتحلى به من نبل وشجاعة. وسيبقى هذان الأثران في نفسه، ويدخلان في فلسفته. وبعد المدرسة اتجه إلى كلية الفلسفة بجامعة مدينته يقصد إلى دراسة اللاهوت ليصير قسيسًا، ولكنه عدل عن هذا القصد فيما بعد. تتلمذ لأستاذ بالكلية للرياضيات والفلسفة من أتباع التقوية ومن أتباع فولف ١ ناشر فلسفة ليبنتز الموسومة بالعقلية؛ فعرف بواسطته مؤلفات نيوتن، فكانت عنصرًا آخر مهمًّا من عناصر فكره؛ ولكنه حار بين التقوية والعقلية، الأولى تشيد بالإرادة والعاطفة كما ذكرنا، والثانية تشيد بالعقل والعلم القياسي وتؤلف التقوى الحقة من "نور وفضيلة" وتعلن أن من الخطأ على السواء "الاعتقاد بأن المرء يستطيع أن يحب أخاه الإنسان دون أن يخدمه، وبأنه يستطيع أن يحب الله دون أن يعرفه". وفي ١٧٤٦ تقدم برسالة جامعية حاول فيها التوفيق بين ديكارت وليبنتز في مسألة قياس قوة جسم المتحرك.

د- توفي والده، فرأى أن يكسب رزقه بالتعليم في أسرة غنية، وزاول هذا العمل في ثلاث أسر على التوالي من أهل المنطقة. قضى في ذلك تسع سنين لم ينقطع أثناءها عن التحصيل والتفكير، ونشر في نهايتها " ١٧٥٥ " كتابًا في "التاريخ العام للطبيعة ونظرية السماء" غفلًا من اسمه، طبق فيه على أصل العالم القوانين التي فسر بها نيوتن النظام الراهن للعالم، وعرض في تفسير تكوين العالم نظرية آلية كثيرة الشبه بالنظرية التي سيعرضها لابلاس بعد أربعين سنة. وفي تلك


١ كان لفولف Christian Wolf " ١٦٧٩ - ١٧٥٤ " تأثير كبير في ألمانيا بدروسه وكتبه الموضوعة على نسق تعليمي في جميع أقسام الفلسفة، فأذاع مذهب ليبنتز في الجامعات والأوساط المثقفة، وظلت الفلسفة الألمانية إلى أمد بعيد تصطنع لغة كتبه وبرامجها ومناهجها.

<<  <   >  >>