أ- هو أحد كبار ممثلي النزعة التجريبية الإنجليزية. جاء بعد هوبس وبيكون وكان أعمق منهما في توضيح المذهب الحسي والدفاع عنه؛ فاستحق أن يدعى زعيمه في العصر الحديث، ولئن كانت النزعة التجريبية الخاصة بإنجلترا، ظاهرة في تفكيرها منذ العصر الوسيط، فمن الحق أن يذكر أن لإنجلترا نزعة روحية أفلاطونية اتصلت منذ العصر الوسيط كذلك، ووجدت لها ملجأ في منتصف القرن بجامعة كمبردج, بينما كانت جامعة أكسفورد تحافظ على المدرسية الأرسطوطالية. ومن ممثلي هذه الأفلاطونية اللورد بروك الذي سقط قتيلًا في الخامسة والثلاثين " ١٦٤٣ " وهو يناضل في سبيل البرلمان. وهو يذهب في كتابه "ماهية الحقيقة"" ١٦٤١ " إلى أن التجربة لا توفر لنا المعرفة الحقة، وأن العقل حاصل منذ الأصل على المعاني العليا الضرورية للعلم والأخلاق، فإن العلم يرتفع بالفعل فوق الحس، كما يشهد نظام كوبرنك مثلًا، وأن الأخلاق تدور على ما يجب أن يكون لا على ما هو كائن. ويصطنع بروك وحدة الوجود، ويقول: إن العقل لا يجد اطمئنانه النهائي إلا بمعرفة العلة الأولى للموجودات، وإن كل كثرة وكل علاقة وزمانية ومكانية ما هي إلا مظهر، وإن معرفتنا وحدة الموجودات في الله تبرئنا من الحسد, وتعلمنا أن في سعادة القريب سعادتنا. فمعارضة لوك للمذهب العقلي ولنظرية المعاني الغريزية، على ما سنرى، تتجه إلى هذه المدرسة كما تتجه إلى ديكارت ومدرسته.
ب- ولد جون لوك بالقرب من بريستول، وكان أبوه محاميًا خاض غمار الحرب الأهلية دفاعًا عن البرلمان، فنشأ الابن على حب الحرية، وظل