متعلقًا بها إلى آخر حياته. ودخل أول أمره في مدرسة وستمنستر ومكث بها ست سنين يتلقى اللغات القديمة، إذ لم يكن يشتمل البرنامج على العلوم الطبيعية إلا قليلًا من الجغرافيا. ولما بلغ العشرين دخل أكسفورد وقضى بها ست سنين يتابع الدراسات المؤدية إلى الكهنوت، ولكنه لم يتذوق الفلسفة المدرسية، ولم يهتم بالفلسفة إلا حين قرأ ديكارت وجساندي، وبدا له أن الوجهة الأخلاقية من الدين أجدر بالعناية من الوجهة الاعتقادية. فولى وجهه شطر الطب ودرسه دون أن يتقدم للدكتوراه، وفي ١٦٦٦ اتصل باللورد أشلي الذي صار فيما بعد كونت شفتسبري ومن أعاظم السياسيين في عصره، فكان كاتبه وطبيبه مدة ثلاث سنين. في ذلك الوقت نشر رسالة صغيرة "في التشريح"" ١٦٦٨ " وانتخب عضوًا بالجمعية الملكية، ثم نشر رسالة أخرى "في الفن الطبي"" ١٦٦٩ " حيث يعلن أن النظريات العامة تقف سير العلم، وأن لا فائدة إلا في فرض الجزئي الموجه إلى إدراك العلل الجزئية, فيبين بذلك عن اتجاهه التجريبي.
ج- واضطره النزاع بين حزب البرلمان وتشارلز الأول إلى مغادرة إنجلترا، فقصد إلى فرنسا مرتين " ١٦٧٢، ١٦٧٥ - ١٦٧٩ " حيث كان معظم إقامته بمونيلبي؛ ثم إلى هولندا " ١٦٨٣ " حتى نشوب ثورة ١٦٨٨، فعاد إلى وطنه في السنة التالية، فعرض عليه الملك الجديد السفارة لدى ناخب براندبورج، فطلب إعفاءه منها بسبب حالته الصحية، وقبل منصبًا آخر هو قوميسيرية التجارة والمستعمرات؛ ثم اعتزل الخدمة. في هذا الشطر الثاني من حياته ساهم في جميع الحركات الفكرية التي كان يضطرب بها عصره، وصنف فيها كتبًا، هي: رسالة "في الإكليروس" و"خواطر في الجمهورية الرومانية" و"لا ضرورة لمفسر معصوم للكتب المقدسة" و"في التسامح" و"في الحكومة المدنية" و"معقولية المسيحية" و"اعتبارات في نتائج تخفيض الفائدة وزيادة قيمة النقد" و"خواطر في التربية" يحبذ فيها طرائق, هي التي اتبعها أبوه في تربيته.
د- أما الفلسفة فقد اتجه إليها فكره في شتاء ١٦٧٠ , ١٦٧١ على إثر مناقشات مع بعض أصدقائه لم يوفقوا فيها إلى حل المسائل التي أثاروها، ففطن إلى أنه يمتنع إقامة "مبادئ الأخلاق والدين المنزل إلا بعد الفحص عن كفايتنا