كان الفكر الفرنسي في القرن الثامن عشر صدى للفكر الإنجليزي، ولكنه الآن يستعيد أصالته ويستحدث مذاهب خاصة. فما إن أفاق من غمرات الثورة ورأى ما عقبها من خراب مادي واضطراب معنوي وقلق اجتماعي حتى شرع في البناء, وفي نفس كل عامل من عمال هذا المشروع الخطير يقين لا يتطرق إليه الشك بأن علة العلل الاضطراب المعنوي أو فساد العقيدة في "القيم العليا". فعملوا جميعًا، كل بطريقته الخاصة، على استرداد الإيمان بهذه القيم. فظهر مذهب نفسي روحي يهزم المادية هزيمة ماحقة، وتداولته الأجيال إلى أيامنا حتى ليعد طابع الفكر الفرنسي. وقام بعض الكاثوليك يحطمون مبادئ القرن السالف في الاجتماع، وينادون بالعودة إلى العقيدة السلفية. وقام غيرهم ينكرون هذه المبادئ من ناحيتهم، ويعلنون عداءهم للميتافيزيقا واستمساكهم بالواقع، مع إعلانهم في الوقت نفسه أن ليست "الواقعية" عندهم مرادفة للمادية ومبطلة للقيم. فالفصلان الأولان من هذه المقالة يتحدثان عن فريقين من رجال المذهب الروحي والفصل الثالث يعرض المذهب الواقعي.