أ- إذا أردنا أن نقيم فلسفة الأخلاق وجب أن نلتمس مبادئها في العقل الخالص من كل مادة. ليست هذه الفلسفة خليطًا من تلك الأخلاط التي تضم الظواهر التجريبية والمعاني العقلية، والتي يزعم أصحابها أنهم يوفقون بها بين مقتضيات النظر والتجربة. إن المذاهب التي تدعي تفسير الخليقة بطبيعة الإنسان كما هي معلومة بالتجربة والتاريخ، تشترك في عيب جوهري هو عجزها عن إقامة قوانين كلية للإرادة، فإن مثل هذه القوانين لا يطالع إلا في العقل الصرف. ويمكن ترتيب هذه المذاهب في طائفتين: واحدة تعتمد على مبادئ حسية، وأخرى تعتمد على مبادئ عقلية. وترجع مذاهب الطائفة الأولى إلى فكرة السعادة، فتقيم السعادة إما على الحساسية الطبيعية، كما فعل أرستيب وأبيقور وهوبس وأضرابهم، أو على العاطفة الأخلاقية، كما فعل شفتسبري وأشياعه. وترجع مذاهب الطائفة الثانية إلى فكرة الكمال، فتصور الكمال إما حالة نفسية حادثة بالإرادة، كما نرى عند ليبنتز، أو الله نفسه المشرع الأعظم، كما يقول اللاهوتيون.
ب- من بين هذه المذاهب الأربعة، المذهب الذي يجب استبعاده أولًا هو مذهب السعادة الشخصية؛ إذ إن الحساسية جزئية متغيرة، فلا يمكن أن نستخرج منها قانونًا كليًّا ضروريًّا كالذي تفتقر إليه فلسفة الأخلاق، ثم إن هذا المذهب يرد الخير إلى اللذة والمنفعة, فيمحو كل تمييز نوعي بين بواعث الفضيلة وبواعث الرذيلة. أما مذهب العاطفة الأخلاقية فهو أرفع من غير شك؛ لأنه يعترف بالفضيلة أولا وبالذات، ولكنه من نوع المذهب السابق، إذ إنه يعرض على الإرادة منفعة حسية هي الرضا النفسي. وإنما لجأ أنصاره إلى العاطفة ليأسهم من العقل، ولم يقدروا أن العاطفة متغيرة نسبية لا تصلح مقياسًا للخير والشر.