أ- الفلسفة الفرنسية سائرة في وجهاتها التي صادفناها أثناء القرن الماضي: فالوجهة الواقعية وجدت لها أنصارًا في إميل دوركيم وليفي برول وغيرهما من الأساتذة الاجتماعيين, والوجهة الروحية يمثلها علماء ورياضيون يبينون ما في العلم الحديث من تركيب صناعي يدع المجال مفتوحًا أمام الحرية والأخلاق، وأشهر هؤلاء هنري بوانكاري وبيير دوهيم؛ ولكن ممثلها الأكبر هنري برجسون الذي أقام مذهبا تاما في الوجود والأخلاق والدين. أما دوركيم فيعد واضع علم الاجتماع المعاصر. أهم كتبه:"تقسيم العمل الاجتماعي"" ١٨٩٣ " و"قواعد المنهج الاجتماعي"" ١٨٩٥ " و"الانتحار"" ١٨٩٧ " و"الصور الأولية للحياة الدينية"" ١٩١٢ " و"التربية الخلقية"" ١٩٢٥ " وكان قد أصدر مجلة "السنة الاجتماعية" في ١٨٩٦ وظل يصدرها إلى ١٩١٣ بمعاونة ليفي برول وموس وهوبرت وفوكوني وبوجلي وبسيميان ودافي وهلبكس وهم أركان علم الاجتماع في فرنسا الآن, وقد استؤنف إصدار المجلة سنة ١٩٢٥.
ب- أخذ دوركيم على نفسه أن يقيم علما اجتماعيا واقعيا يختلف عن فلسفة التاريخ, وعن النظر المجرد في ماهية المجتمع بأن يقصر غرضه على استكشاف القوانين التي تربط ظواهر اجتماعية معينة بظواهر أخرى معينة، كما يرتبط الانتحار مثلا أو تقسيم العمل بازدياد عدد السكان، وذلك باستخدام المناهج المألوفة في العلوم الطبيعية والتي ترجع إلى الملاحظة والاستقراء مع ما يقتضيه علم الاجتماع من تعديل طفيف يضيف إلى ملاحظة الحاضر ملاحظة الماضي أو التاريخ المقارن، ويجعل الاستقراء إحصاء، إذ إن المذهب الواقعي لا يعترف بوسيلة أخرى لدراسة الإنسان. والمقصود بالظواهر الاجتماعية أنحاء الفكر والعاطفة والعمل الصادرة عن الناس بما هم أعضاء مجتمع، مثل الأخلاق والأديان والأنظمة السياسية والقوانين المدنية والتقاليد القومية والبدع الفنية والنظريات العلمية، وما إلى ذلك من مظاهر