أ- أشهر أشياع الوثنية في عصره. ولد بفلورنسا في أسرة شريفة, وفي سن مبكرة انتظم في السلك السياسي, وكانت الجمهوريات الإيطالية متنابذة أشد التنابذ، تستبيح في حروبها كل صنوف الدسيسة والغدر والقسوة. فشهد كل ذلك، وقرأ مثله في كتب التاريخ، فاعتقد أن هذه هي الطبيعة الإنسانية، وانتهى إلى "سياسة واقعية" قوامها أن الحذر والقوة هما الخصلتان الضروريتان للحاكم، كما قال سوفسطائيو اليونان. وعرض مذهبه في كتب، أشهرها كتاب "الأمير"" ١٥١٣ " و"مقالات على المقالات العشر الأولى في تاريخ تيتو ليفيو" ١٥١٣ - ١٥٢١ " وهي خير ما كتب.
ب- في كتبه جميعًا يقارن بين الأخلاق القديمة والأخلاق المسيحية؛ فيرى أن القدماء كانوا يحبون الجاه والصحة والقوة البدنية، وكانت ديانتهم تخلع هيبة إلهية على القواد والأبطال والمشرعين. أما المسيحية فإنها على العكس ترجئ غاية الإنسان إلى الآخرة، وتحث على الإعراض عن الجاه الدنيوي، وتمجد التواضع والنزاهة، وتضع الحياة النظرية الباطنة فوق الحياة العملية الظاهرة. فأوهنت عزيمة الإنسان، وأسلمت الدنيا لأهل الجرأة والعنف. فهي نافعة وضرورية للجمهور, فقط المطلوب منه الطاعة، ويجب على الحاكم أن يحميها ويؤيدها حتى ولو اعتقد بطلانها.
ج- غاية الأمير القوة والأمن في الداخل، وبسطه السلطان في الخارج. فإذا أراد صيانة سلطانه وجب عليه المران على عدم التقيد بالفضيلة، وعلى استخدام الخير والشر تبعًا للحاجة. أما الذي يريد أن يسير سيرة فاضلة في كل ظرف، فعليه أن يحيا حياة خاصة ولا يعرض للحكم، وإلا هلك حتمًا وسط كثرة الأشرار. وليس الأمير مشرعًا ولكنه حربي، والحرب صناعته الأولى؛ لذا هو لا يبالي أن يُرمى بالقسوة حين يريد الرعية على طاعته, أليست الرحمة الحقة في