أ- المذاهب التي نجملها في هذا الفصل تؤلف موقفًا وسطًا بين مذهب الأنانية الذي يمثله هوبس، وبين المذهب العقلي الذي يريد أن يرجع الأخلاق إلى قواعد ثابتة، فإن أصحاب هذا الموقف الوسط يستهجنون الأنانية ويرون بينها وبين الأخلاق الصحيحة مسافة كبيرة، ولكن المذهب الحسي أضعف ثقتهم بالعقل، فلجئوا إلى العاطفة وطلبوا إليها أن تمدهم بأسس الأخلاق، وأولهم شفتسبري حفيد اللورد الذي عرفه لوك.
ب- يذهب شفتسبري في كتابه "بحوث في الفضيلة" إلى أن ليس بصحيح أن الميل الأساسي في الإنسان هو محبة الذات؛ إن في الإنسان ميولا اجتماعية طبيعية، بل إن في الحيوان مثل هذه الميول، وهي في كل نوع موجهة لخير النوع، وهي صنع غاية تحقق بها النظام الكلي. لقد بدد هوبس معنى الأخلاق، وهدم لوك أساس الأخلاق بنقده للمعاني الغريزية واستبعاده كل غريزة طبيعية. ليس يمكن الادعاء أن معنى المحبة والعدالة مستمدان من التجربة وحدها أو من الدين وحده. إن هناك غريزة تربط الفرد بالنوع، فلم يعش الإنسان قط, ولا يستطيع أن يعيش متوحدًا. من الخطأ المعارضة بين حال الطبيعة وحال اجتماع, وإذا ما عدنا إلى أنفسنا وجدنا فينا عواطف لاإرادية، هي الإعجاب بالنبل والخير، واحتقار الخسة والخبث. وذلك هو الحس الخلقي, لدينا حس باطن قوامه محبة النظام والجمال، وهذا الحس يدرك الخير والشر في الأفعال إدراكًا بديهيًّا مما يدرك البصر الألوان في الأشياء. فإذا طاوعناه وجدنا الإيثار يحدث في النفس اغتباطًا لطيفًا بما نهيئه للغير من سعادة، فيتفق الإيثار والأثرة ولكنها أثرة يفوق الاغتباط بها الاغتباط باللذات الحسية العنيفة, ويكفل الأخذ بها النظام والتناسق في الحياة الفردية والحياة الاجتماعية في الوقت نفسه.