أ- فيلسوف التشاؤم وباعث البوذية في الفلسفة الحديثة. أقام مذهبًا على غرار المذاهب الثلاثة السابقة، إلا أنه تصور المبدأ الأول "إرادة كلية" هي قوة عمياء تكون الموجودات على التوالي. ولنا أن نقول: إن مزاجه مال به إلى هذا التصور, فقد عرفت حالات مرض عقلي عن أسرة أبيه وأسرة أمه، وورث هو السويداء والخوف والحذر، وكانت له شهوة جامحة يعجز عن ضبطها، ونزعة قوية إلى التأمل، فأحس في نفسه أن الإنسان مركب من جزأين متعارضين. وقد روي أنه وهو في السابعة عشرة، وقبل أن يتلقى أية ثقافة فلسفية، تأثر بشقاء الحياة كما تأثر بوذا حين استكشف الألم والمرض والشيخوخة والموت. ثم تلقى الفلسفة بجامعة جوتنجن " ١٨٠٩ - ١٨١١ " وبجامعة برلين " ١٨١١ - ١٨١٣ " حيث استمع إلى فختي دون أن يتذوقه كثيرًا. ولكن أعجبه من أفلاطون وكنط قسمة الوجود إلى محسوس ومعقول، أو عالم الظواهر وعالم الشيء بالذات؛ وكانت هذه القسمة في نظره بمثابة ازدواج التأمل والشهوة أو الفكر والإرادة. وقرأ الكتب الهندية الدينية في ترجمة لاتينية، وهي تدور على مسألة الشر الطبيعي والخلقي كما هو معلوم، فنمت في عقله عناصره مذهبه.
ب- بدأ بوضع أساس المذهب، أي: نظرية المعرفة، فدون رسالة الدكتوراه في "الأصول الأربعة لمبدأ السبب الكافي"" ١٨١٣ " ثم عكف على تفصيل المذهب، فأخرج المجلد الأول من كتابه الأكبر "العالم إرادة وتصور"" ١٨١٩ " ضمنه نظرية المعرفة ونظرية العالم. وبعد خمس وعشرين سنة أخرج المجلد الثاني في الفن وفي الأخلاق، فتم به المذهب بأصوله وفروعه. ولكن الكتاب لم يصادف