نجاحًا يذكر, ولم يصب الفيلسوف أي نجاح في تعليمه بجامعة برلين " ١٨٢٠ - ١٨٣١ ". فعزا إخفاقه إلى ائتمار أساتذة الفلسفة به، وغلا في هجوهم، وزعم أنه الوريث الحقيقي لكنط وأول فيلسوف كبير بعده. انقطع عن التعليم، واستمر على الكتابة، فنشر كتاب "الإرادة في الطبيعة"" ١٨٣٦ " جمع فيه من العلوم الطبيعية ما ظنه شواهد على نظريته في الإرادة الكلية؛ وكتاب "المشكلتان الأساسيتان في فلسفة الأخلاق"" ١٨٤١ " فصل فيه آراءه الأخلاقية. ومنذ ذلك الحين بنوع خاص أخذت كتبه تذيع وشهرته تتسع، وهدأت نفسه، فنعم بشيخوخة هانئة، وكان يتمنى لو يعمر طويلًا بالرغم من تشاؤمه.
١٢٣ - العالم:
أ- كيف ندرك العالم؟ وما قيمة هذا الإدراك؟ إن الإحساس حالة ذاتية, ولكن الفهم يضيفه فورًا، بفعل لاإرادي ولاشعوري، إلى علة خارجية نتصورها فاعلة في الزمان مستقلة عنا في المكان. فالعالم بالنسبة إلينا جملة تصوراتنا فحسب, غير أن هذه التصورات مرتبطة بموجب مبدأ السبب الكافي، ولهذا المبدأ أربع صور هي: علاقة بين مبدأ ونتيجة، وعلاقة بين علة ومعلول، وعلاقة مكان وزمان، وعلاقة بين داعٍ وفعل. الصور الثلاث الأولى تخص النظر، والرابعة تخص العمل. ولما كانت تجربتنا متوقفة على استخدام صور الفهم، كانت هذه الصور سندًا لموضوعيتها، ولم يمكن القول: إن العالم محض وهم. كذلك لمبدأ العلية الذي هو إحدى هذه الصور نتيجتان ضروريتان تؤيدان الموضوعية: إحداهما قانون القصور الذاتي, وهو يحتم أن تفسر كل ظاهرة بظاهرة سابقة، والأخرى قانون بقاء المادة وهو يقضي بأن غاية العلم ومثله الأعلى المادية المطلقة، بما في ذلك المعرفة نفسها، فنقول: إنها وظيفة الدماغ.
ب- بيد أن المادة فكرة من أفكارنا, فما المادية إلا تصورنا للعالم، وما العالم إلا الوجهة الخارجية للوجود. ولو كنا ذاتًا عارفة فحسب لما عرفنا عن العالم سوى أنه تصور, ولكننا نحس في أنفسنا غرائز وميولًا, وندرك أن الإرادة جوهر الإنسان وفقًا للصورة الرابعة من صور الفهم؛ فيجب وصل التجربة الظاهرة بالتجربة الباطنة، وفهم العالم بوساطة الإنسان، وحينئذ ندرك أن الإرادة جوهر العالم أيضًا،