أ- شغلت ألمانيا بفلسفة كنط وفلسفة هجل، فقام فيها لكل منهما أشياع شارحون مؤيدون، وآخرون أحرار بعض الشيء, كما قام معارضون. ولن نقف هنا عند تاريخ الحركة الكنطية، فإنها لا تتضمن شيئًا جديدًا. ولن نقف عند تاريخ الهجلية بأكثر من القول بأن فريق التلاميذ الأمناء دعوا بحزب اليمين أو المحافظين لتمسكهم بالنتائج التي وصل إليها هجل واعتبرها مطلقة بالرغم من قوله بالصيرورة، وهذه النتائج هي الفلسفة التصورية والديانة المسيحية والفن الروماني والدولة البروسية البيروقراطية؛ وأن فريق التلاميذ الأحرار وكانوا أكبر عددًا وأعظم قدرًا، دعوا بحزب اليسار أو التقدميين، وتمسكوا بالمنهج فقالوا: ليس للحقائق صفة نهائية من حيث إنها صورة مختلفة للروح المطلق وإن هذا الروح يتقدم باستمرار, وراحوا يعيدون النظر في الدين والاجتماع وفقًا لهذا المنهج. أما في الدين فقد نبتت فكرة تنافس غير واحد منهم في التدليل عليها، وهي أن المسيحية نتاج الضمير الإنساني، ففسر الإنجيل على هذا الاعتبار واعظ مشهور هو شلير ماخر " ١٧٦٨ - ١٨٣٤ " وزعم شتراوس " ١٨٠٨ - ١٨٧٤ " في كتابه "حياة يسوع"" ١٨٣٥ " أن حياة المسيح أسطورة صاغتها مخيلة المسيحيين الأولين مما كان يتصوره السلف عن المسيح المنتظر، وأنه يجب أن نستعيض عن فكرة المسيح التاريخي بالفكرة الهجلية التي ترى في المسيح مثلًا أعلى هو الإنسانية مؤلهة. وشتراوس إلى ذلك يمضي بالهجلية صوب المادية, وذهب فويرباخ في كتابه "ماهية المسيح"" ١٨٤١ " إلى أن خلاص العالم يقتضي العدول عن المسيحية, بل عن كل دين يؤمن بإله مفارق، فما هذا الإله سوى خيال يخلع عليه الإنسان كمالاته الخاصة، ما هو إلا المثل الأعلى للإنسان أو الإنسان كما يجب أن يكون وكما سيكون.