تتوخى لبذل الحياة. وإن القاعدة، وإن المفاضلة بين حياة رفيعة وحياة دنيئة، ليستا من "العلم" في شيء, ولكنهما تعتمدان على الميتافيزيقا التي لا يريدها جيو. فإذا ما سلمنا بتفضيل الحياة الرفيعة فإنما نسلم لأننا نراها الجديرة بالإنسان من حيث هو إنسان. وهذه الصلة بين الماهية الإنسانية وضرب من الحياة يلائمها دون سواه، هي "الوجوب العقلي" الذي تحدث عنه رنوفيي والذي هو أصل الإلزام الخلقي كما قلنا في الموضوع. كذلك الجزاء ما هو في الحقيقة إلا أثر العمل. أما إذا كانت الأفعال صادرة عن مجرد فيض من باطن تصاحبه لذة معينة، دون غاية مفضلة وقاعدة محترمة, فقد عدنا إلى مذهب اللذة وقد ساوت أفعالنا سائر الأفعال التلقائية, وبطلت أن تكون خلقية. وإن جيو ليحاول أن يوجد نوعًا من الإلزام بقوله: إن الفرد لا يحيا تمام الحياة إلا بالمجتمع, ولكنه يقع في نفس الخطأ الذي ألحف في مؤاخذة النفعيين عليه, إذ يريدون الفرد على أن يفضل المنفعة العامة بعد أن يقولوا: إن المنفعة الخاصة هي الأصل والمبدأ, ولم ير أن الأناني المسترشد بمذهب الأنانية في حل من استغلال المجتمع والإفادة منه ما استطاع إلى الإفادة سبيلًا. هذا عن الأخلاق, أما عن الدين فإن الشعور بالتبعية للكون لا ينقلب عاطفة دينية بمعنى الكلمة إلا إذا اعتقدنا أن وراء الكون أو فوقه إلهًا شخصيًّا هو خالقه ومنبع الحياة المتدفقة فيه. وفي هذه الحالة لا يتصور الدين بغير عقيدة تشتمل على صفات لازمة للإله وعلاقة بيننا وبينه، وجيو لا يريد عقيدة لأنه أراد "العلم" دون العقل والميتافيزيقا، وهذا عيب مشترك بين هذه المذاهب التي تصدت لإثبات الحرية والروحية بالتجربة فحسب، وليست التجربة بذاتها برهانًا إذا لم تستمد من العقل مبدأ البرهان.