ثمرة من خير ثمار عصر النهضة. اشتغل بالتصوير والنحت والموسيقى فكان فنانًا عظيمًا، وتبحر في التشريع والمعمار والميكانيكا فكان عالمًا مبرزًا، واستخلص من أبحاثه أصول المنهج العلمي، ومن مشاهداته للناس عوامل سيرتهم فكان فيلسوفًا مذكورًا. تناول علم الميكانيكا حيث تركه أرشميدس، ونهج فيه نهجه، فوصل إلى نتائج تختلف عما كان وصل إليه الإسميون الباريسيون في القرن السابق. وكان مقتنعًا بأن العلم ابن التجربة، وأن النظريات التي لا تلقى تأييدًا من التجربة نظريات باطلة, فكان يرمي الكيميائيين والمنجمين بأنهم دجالون أو مجانين. وليست التجربة عنده مجرد الإدراك الحسي، بل البحث عن العلاقات الضرورية بين الأشياء، ووضع هذه العلاقات في صيغ رياضية تخلع على نتائج التجربة يقينًا كاملًا، وتسمح باستنتاج الظواهر المستقبلة من الظواهر الراهنة.
١١ - نقولا كوبرنك " ١٤٧٣ - ١٥٤٣ ":
أ- ولد بمدينة ثورن Thorn من أعمال بروسيا، ولكن البولنديين يدعونه, والمرجح أنه من أسرة ألمانية استوطنت بولندا. درس الآداب والرياضيات والفلك بجامعة كراكوفيا, وقضى عشر سنين بإيطاليا "بمدن بولونيا وروما وبادوفا" ويلوح أن أستاذه ببولونيا كان يشك في الفلك القديم. وتكونت عنده هو أصول مذهبه فيما بين الثالثة والثلاثين والسادسة والثلاثين، وقضى زمنًا طويلًا يعالجه وينقحه، ثم وضع كتابه "في الحركات السماوية" ولكنه لم ير نشره إلا في آخر حياته، فجاءته نسخة مطبوعة منه, وهو على فراش الموت فاقد الوعي.
ب- أراد أن يتصور السماء على نحو أبسط من تصور أرسطو وبطليموس، ورائده أن دأب الطبيعة إدراك غاياتها بأبسط الوسائل، فرأى أن بقاء أكبر الأجرام ثابتًا على حين تتحرك من حوله الأجرام الصغرى، أكثر تحقيقًا لهذا المبدأ من