وأن العلية الطبيعية في مختلف درجاتها من جنس إرادتنا. فالإرادة هي الشيء بالذات يتجلى في مختلف الموجودات, ولكن هذه النتيجة أوسع من مقدماتها في المذهب؛ فإن حياة إرادتنا تتقضى في صورة الزمان، وأفعالنا الإرادية خاضعة لقانون الداعي الذي هو إحدى صور السبب الكافي، فبالإضافة إلينا الإرادة نفسها ظاهرة من ظواهر لا تدرك إدراكًا مباشرًا كما يدعي، فلا يمكن بحال أن تكون شيئًا بالذات مستقلًّا عن تصور الفهم. فنحن هنا بإزاء عيب أساسي في المذهب، هو الانتقال من التصور إلى الوجود، والمذهب يرد كل الوجود إلى تصور، مما يدل على قوة فطرة العقل التي يخالفها هؤلاء الفلاسفة بالقول, ويتبعونها بالفعل.
ج- أول مظاهر الإرادة الكلية الفعل الآلي البحت, حيث العلة والمعلول من طبيعة واحدة, وحيث يمكن إدراك علاقاتهما مباشرة. ثم تتنوع القوى الطبيعية إلى حرارة ومغناطيس وكهرباء وما إلى ذلك؛ فيتعذر إدراك العلاقات بسبب تباين العلة والمعلول. ثم تظهر الإرادة الكلية واضحة في عالم الأحياء, فإن الكائن الحي يتكون من باطن، ويعمل من باطن، وهذا يعني أن الإرادة الكلية هي التي تصور أعضاءه وتلائم بينها وبين البيئة، وأنها هي التي تعمل فيه أثناء اليقظة والنوم بدون انقطاع. وعلاقة العلية ههنا أكثر خفاءً؛ فإن العلية تبدو ههنا كمؤثر أو دافع، ويبدو المعلول محتويًا على أكثر مما في العلة. وأخيرًا تصير العلة داعيًا في الأحياء الحاصلين على شعور، وهنا نعلم أن علاقة العلية إرادة. والمعرفة نفسها ما هي في الأصل إلا وسيلة للإرادة تتوخى منها صورًا للحياة أرفع وأقوى قائمة في الإفادة من بعض الأشياء, واجتناب ضرر البعض الآخر عن دراية وتوقع. والعقل أعلى تجليات الإرادة؛ فهو آلة للحياة أكثر إحكامًا وتنوعًا مما للحيوان من آلات, ذلك أن آلات الحيوان ظاهرة وغاياتها معروفة محدودة, أما العقل فباطن يخفي غاياته ويستخدم ما يشاء من آلات مصنوعة.
د- هذا التنوع في الصور الطبيعية صادر عما في الإرادة الكلية من حب البقاء وميل للتحقق إلى أقصى حد. وهذا التنوع أصل تعارض الموجودات وتصارعها: يفترس البشر والعجماوات بعضهم بعضًا, ويفترسون جميعًا النبات، ويستهلك النبات الهواء والماء وغيرهما من المواد. الحياة شر، وكل ما نصادفه من