للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خير فهو زائف. وإذا كنا نتصور الحياة خيرًا ونحرص عليها ونسعى إلى الاستزادة منها، فهذا راجع إلى ما تبهرنا به الإرادة الكلية من خيرات مظنونة, وتثيره فينا من آمال كاذبة لتستطيع البقاء بوسائل جديدة هي بنو الإنسان، يعتقدون أنهم يختارون غاياتهم اختيارًا وهم في الحقيقة مدفوعون من حيث لا يشعرون. يصدق هذا على حفظ الفرد، وعلى حفظ النوع بالتناسل، فإن "شيطان النوع" يهيج في الفرد أقوى غريزة ويدفعه إلى إرضائها، وما هو إلا أداة الإرادة الكلية التي تتوق إلى البقاء في النوع. "وهنا يسهب شوبنهور، ويقول في المرأة كلامًا ورد مثله في جميع اللغات".

هـ- الحياة شر: تشهد بذلك التجربة كما تقدم، ويشهد به النظر في ماهية الألم واللذة. والألم انفعال إيجابي، هو ترجمة عن حاجة مفيدة للحياة. واللذة إرضاء هذه الحاجة وتلطيف مؤقت، فهي انفعال سلبي، وإن بدت حالة إيجابية فتلك وسيلة من وسائل خداع الإرادة الكلية؛ لذا كانت انفعالات الألم أقوى في الغالب، نلحظها ولا نلحظ عدم الألم: لا نلحظ الصحة والشباب والسلامة والحرية حتى تفوتنا. واعتياد اللذة يفل من حدتها، وانقطاع الشيء المعتاد يخلق آلامًا جديدة. وكلما زكا العقل ودق الشعور اشتدَّ الإحساس بالألم: ألم الإنسان أكثر وأشد من ألم الحيوان؛ ويتفاوت الناس في عدد آلامهم وقوة شعورهم بها. كل هذا يدل على أن مبدأ السبب الكافي المنظم للتصور لا يصدق على الإرادة الكلية التي هي شيء بالذات. إنها لمشكلة من الوجهتين النظرية والعلمية؛ لأنها مبدأ لاعقلي، جوهر لا يفهم وينبغي ألا يفهم!

١٢٤ - الفن والأخلاق:

أ- على أنه يتفق أحيانًا للمعرفة الإنسانية أن تتحرر من خدمة الإرادة الكلية, وذلك حين نستغرق في التأمل الفني فيزول الشعور بالفردية ويزول الألم؛ أو حين يتملكنا الاعتقاد بزيف الفردية فنؤثر عليها الغيرية. الفن والأخلاق إذن وسيلتان للتحرر من الشعور بالوجود وبالألم. الفنون من وحي الإرادة الكلية تحاول بها أن تتحقق أكثر فأكثر. الدرجة الدنيا فن العمارة، وهو ييسر لنا تصور الدرجات الدنيا في الطبيعة: الثقل والتماسك والمقاومة، وظهور القوة الكامنة في

<<  <   >  >>