والنظر في أي الأمور هو في متناولنا وأيها يفوق إدراكنا". وهكذا نبتت عنده فكرة البحث في المعرفة, فوضع لفوره رسالة "في العقل الإنساني" يرجع فيها معانينا جميعًا إلى معانٍ بسيطة مستفادة من التجرية، ثم عكف على الموضوع يخصص له أوقات فراغه مدة تسع عشرة سنة حتى أتم كتابه الشهير "محاولة في الفهم الإنساني" " ١٦٩٠ " والكتاب مقسم إلى أربع مقالات: الأولى في الرد على نظرية المعاني الغريزية، والثانية في تقسيم المعاني بسيطة ومركبة وبيان أصلها التجريبي؛ والمقالة الثالثة في اللغة ووجوه دلالة الألفاظ على المعاني وتأثير اللغة على الفكر، ومعارضة الفلسفة المدرسية باعتبارها فلسفة لفظية، وإبطال حقيقة معاني الأنواع والأجناس؛ والمقالة الرابعة والأخيرة في المعرفة، أي: في اليقين الميسور لنا، فتبحث في قيمة المبادئ الأخلاقية، وفي علمنا بوجودنا، ووجود الله، وبوجود الماديات، وفي العقل والدين. والمقالة الأولى هي القسم السلبي من الكتاب؛ والمقالات الثلاث التالية هي القسم الإيجابي أي: عرض المذهب التجريبي المبطل لنظرية المعاني الغريزية، وقد دون لوك هذه المقالات أولا لتوقف المقالة الأولى عليها، بمعنى أن القارئ يقبل هذه المقالة بسهولة أكثر إذا ما رأى كيف يستطيع العقل أن يكتسب معارفه، كما يقول المؤلف نفسه "م ٢ ف ١ ". وطبع الكتاب ثانية سنة ١٦٩٤ بزيادات كثيرة وتعديلات, وترجم إلى الفرنسية ونشرت الترجمة سنة ١٧٠٠ بعد أن راجعها المؤلف وأضاف إليها وأصلح منها.
هـ- على أن بضاعته الفلسفية ضئيلة سطحية، وأسلوبه يبين عن شيء كثير من السذاجة؛ من شواهد ذلك أنه يكثر من التمثيل، ويسهب في تفصيل الأمثلة كأنها المقصود بالذات، ويسخر مما لا يعرف فتجيء سخريته ثقيلة جدًّا. استمع إليه يقول في حملته على القياس: "لو وجب اعتبار القياس الأداة الوحيدة للعقل والوسيلة الوحيدة للوصول إلى الحقيقة، للزم أنه لم يوجد أحد قبل أرسطو يعلم أو يستطيع أن يعلم شيئًا ما بالعقل، وأنه لا يوجد منذ اختراع القياس رجل بين عشرة آلاف يستمتع بهذه الميزة. ولكن الله لم يكن ضنينًا بمواهبه على البشر إلى حد أن يقنع بإيجاد مخلوقات ذوات قدمين، ويدع لأرسطو العناية بجعلهم مخلوقات عاقلة "م ٤ ف ١٧ فقرة ٤ ". ثم يردد الأقاويل المتداولة