للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السنة استطاع أن يستقر بكونجسبرج، وحصل على درجتين جامعيتين: أولاهما برسالة "في النار" والثانية برسالة "في المبادئ الأولى للمعرفة الميتافيزيقية" يقبل فيها دليل العلل الغائية على وجود الله بدون تحفظ, ثم عين أستاذًا خاصًّا بالجامعة.

هـ- إلى ذلك الوقت كان تحت تأثير فولف ونيوتن ميتافيزيقيًّا وعالمًا طبيعيًّا. ففي رسالة نشرها سنة ١٧٥٥ دافع عن تصور ليبنتز للحرية وقال: إن الإرادة لا تشذ عن مبدأ السبب الكافي، وفي سنة ١٧٥٨ نشر رسالة أيد فيها تفاؤل ليبنتز القائل: إن الله لكماله خلق بالضرورة خير العوالم الممكنة، وحاول الرد على القائلين: إن فكرة خير العوالم الممكنة فكرة جوفاء غير ذات موضوع. ثم قرأ شفتسبري وهاتشيسون وهيوم، وقرأ روسو، فتغير تفكيره تغيرًا عميقًا.

ووجد عند الثلاثة الأول القول بحس خلقي يدرك المعاني الخلقية بداهة، ويقرر الخير والشر دون حاجة إلى تدليل؛ وبعبارة أخرى: وجد عندهم فلسفة خلقية مستقلة عن العقل، ومستقلة عن الدين. ووجد عندهم أيضًا منهجًا قائمًا على التحليل النفسي، وأكبر منهم منهجهم هذا في الملاحظة الباطنة، واكتشافهم أن قوة الشعور بالخير غير قوة تصور الحق، وأن الشعور دون العقل هو الذي يقدم للعمل الخلقي موضوعات محققة وبواعث فاعلية. وأرجع "الخلقية" في صميمها إلى الشعور بالجمال وبكرامة الطبيعة الإنسانية, ورأى أن هذا الشعور غير مرتبط بموضوع جزئي, وأنه من الممكن لذلك أن يصير باعثًا كليًّا للعمل.

ز- وكان تأثير هيوم أبعد مدى، وقد قال كنط فيما بعد: إن هيوم أيقظه من سباته الاعتقادي، وكان ذلك برأيه في مبدأ العلية بنوع خاص، إذ كان قد قال: إن مبدأ العلية ليس قضية تحليلية، أي: إن المعلول ليس متضمنًا في العلة أو مرتبطًا بها ارتباطًا ضروريًّا، وإن الضرورة التي تبين له ما هي إلا وليدة عادة تتكون بتكرار التجربة. سلم كنط بالملاحظة الأولى، ولكنه فطن إلى أن التجربة لا تولد ضرورة بمعنى الكلمة، وأن العلم قائم على مثل هذه الضرورة، وأن قيام العلم أمر واقع يمنع من قبول الشك ومن الاكتفاء بالتجربة فحسب, فيجب أن يكون مبدأ العلية مبدأ أوليا في العقل، وبفضله تتحول القضية التجريبية إلى قضية أولية كلية ضرورية, ويجب إذن الفحص عن سائر المبادئ المطوية في العقل

<<  <   >  >>