به ما نسميه أعلى وما نسميه أسفل. ولم يكن الإنسان ليحس ألم التناقض بين نوازعه لو لم يكن هو نفسه كلا لم يعلم أنه كل، فإن التناقض يجيء من عدم الانسجام الباطن من جهة، ومن عدم التوفق مع الخارج من جهة أخرى.
ج- كتاب "الظاهر والحقيقة" دراسة نقدية للتصورات التي حول بها الفلاسفة تفسير الوجود. يذهب فيه برادلي إلى أن معاني المادة والمكان والزمان والطاقة وما إليها, التي هي أركان العلم الطبيعي, لا مقابل لها في الخارج، ولكنها نافعة في تعيين الظواهر المحدودة والتعبير عما بينها من علاقات، فإذا أريدت على أن تعبر عن ماهية الأشياء أدت إلى متناقضات وجرتنا إلى التسلسل إلى غير نهاية من حيث يمكن أن نسأل دائمًا عن علاقة الأجزاء بعلاقاتها دون أن نقف عند حد, ومن حيث إن الحكم لا يصدق إلا إذا تناول جميع الشروط التي يتعلق بها صدقه. فهذه المعاني "معاني عمل" Working Ideas لا دلالة نظرية لها وإنما كل دلالتها صناعية Technical. لذا يمتنع أن نجعل من العلم الطبيعي علم ما بعد الطبيعة كما يصنع الماديون, وإنما يتعين علينا التمييز بين العلمين، ومتى ميّزنا بينهما لم يعد بينهما خلاف، كذلك لا يمكن إقامة ميتافيزيقا على علم النفس وحده. أجل, إن معنى النفس أو الذات يدلنا على ارتباط بين الظواهر الباطنة أوثق من ارتباط الظواهر الطبيعية وعلاقاتها, إذ إنه ارتباط باطن لا ظاهر؛ لذا كانت التجربة الباطنية أعلى تجربة, غير أنها تظهرنا على الأنا كأنه جملة آنية من تغيرات وعلاقات، ولا تظهرنا على ماهيته في معنى واحد مغلق، فلا تفيد في التعبير عن الحقيقة المطلقة، كما أن المادية عاجزة عن مثل هذا التعبير، إن علم النفس علم جزئي، وكل علم جزئي فهو يستخدم اصطلاحات ملائمة لغايته ويجد أنصاف حقائق, ومعنى النفس معنى مجرد كمعنى الجسم سواء بسواء، ولا يمكن أن تكون الحقيقة جسمًا ولا نفسًا؛ لأننا لا ندرك سوى أحداث تعرض علينا الوجهتين.
د- على أن هذه المناقشة تفترض أن لدينا مقياسًا لما هو وجود وحقيقة. والواقع أن لنا في "معنى التجربة" هذا المقياس: في هذا المعنى شيئان مرتبطان ارتباطا وثيقا, هما الكثرة والعلاقة المنسجمة بين وحداتها. فالتجربة الكاملة تفترض محتوى واسعا جدا مرتبطا أوثق ارتباط بحيث يؤلف كلا حقا، وهذا مقياس الحقيقة. وهو أيضا مقياس القيمة في العمل؛ ذلك بأن كل ميل من ميولنا لا يجد رضاءه فهو