من تصور علة غير منظورة إلى تصور القوانين، والثالث واقعي يرمي إلى تفسير العالم بقانون واحد، وقد بدأ هذا العصر منذ قليل. وإذا ما تم تكوين الفسيولوجيا على النمط الذي تسير عليه حصلنا على العلم الواقعي للطبيعة الإنسانية، فأمكن إقامة أخلاق وسياسة واقعية، وتكوين الفلسفة الواقعية باعتبارها العلم الكلي، ووضع الدين الواقعي الذي قوامه تصور جديد للعالم على قاعدة علمية بحتة، وقساوسته العلماء. وكان سان سيمون أول من قال "فلسفة واقعية" و"سياسة واقعية".
ج- ثم بدا له أن التنظيم الجديد بغير حاجة ماسة للتمهيد العلمي، وأن أقرب السبل إليه تسليم زمام الحكم إلى كبار رجال الصناعة والعلم بدل الأشراف والقانونيين، ورفع مستوى الطبقة العاملة من الوجهتين العقلية والاقتصادية، موقنًا أن اتفاق المصالح كفيل بتحقيق الوحدة. وفي سنيه الأخيرة أراد أن يؤسس مسيحية جديدة قائمة على محبة الإنسان, واعتبار الحياة الأرضية غاية لذاتها لا وسيلة لحياة مقبلة غير منظورة، فكان له عدد صغير من الأتباع في حياته وبعد مماته.
١٤١ - شارل فوريي " ١٧٧٢ - ١٨٣٧ ":
هو أحد آباء الشيوعية الحديثة، وقد دل على طريقة عملية للإصلاح. قال: إن العناية الإلهية التي يشهد بوجودها نظام العالم فطرتنا على نزعات إذا اتبعناها بلغنا إلى السعادة الفردية والاجتماعية. فعلى كل فرد أن يختار العمل الذي يوافق ميله. ولا يتسنى هذا الاختيار إلا في فرق phalanges تمثل كل فرقة منها المهن الضرورية لبقائها، أو عدد الميول الممكنة، أو عدد التأليفات الممكنة للنزعات الأصلية، ويبلغ هذا العدد ١٦٢٠ "! " فيعيش أفرادها في قرية phalanstere وتؤلف كل مهنة جماعة، وفي كل قسم من أقسام المهنة يؤلف العمال جماعة أصغر، بحيث يشعر الكل بتعاون الكل، بخلاف الحال في مجتمعاتنا الكبيرة حيث تتضاءل مكانة الفرد وتغيب عنه علاقته بالمجموع. وإذا كونا فرقة من هذا القبيل تكونت بالمحاكاة فرق أخرى, وتلاشى المجتمع "المتحضر" شيئًا فشيئًا وحلت محله خلايا اجتماعية. وتبقى الأسرة في كل فرقة, ولكن حرة مما يزعم من قيود وواجبات، وتلغى جميع القوانين التي تحد من الحرية، سواء أكانت قوانين وضعية أم أخلاقية أم دينية، وقد انتشرت هذه التعاليم في