للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلطان، ولا في الطاعة التي يقتضيها.

هـ- وكل من هذه الحكومات يفسد بفساد مبدئه؛ فتذهب الديمقراطية إما بذهاب روح المساواة فتنقلب إلى أرستقراطية وإلى حكومة فردية، وإما بالمغالاة في هذا الروح فتنقلب إلى استبداد الكل وتنتهي إلى استبداد الفرد. وتذهب الأرستقراطية حين يمضي الأشراف مع الهوى في استخدام سلطتهم، ويطلبون مزايا الحكم دون متاعبه ومخاطره. وتذهب الملكية حين ينزل الأشراف عن كرامتهم حبًّا بالألقاب والمناصب فيستعبدون، أو حين يتحول الملك من العدالة إلى القسوة فيعمل على محو الهيئات ليستأثر بالأمر. أما الطغيان فليس له أن يفسد من حيث إنه فاسد بالطبع.

ووالهدف الذي يصبو إليه مونتسكيو، والذي يبين خلال تعليقاته على الحكومات، هو أن تكفل الحكومة الحرية في أوسع مدى، وعلى خير وجه مستطاع، فإنه يمقت الاستبداد ويؤيد الحرية الشخصية. وليست تقوم الحرية عنده في أن يعمل المرء ما يريد، بل في "أن يقدر المرء أن يعمل ما ينبغي عليه أن يريد، وألا يكره على عمل ما لا ينبغي أن يريد. هي الحق في أن يعمل المرء كل ما تجيزه القوانين "العادلة", وإذا كان لمواطن أن يعمل ما ينهى عنه كان لغيره نفس هذا الحق، فتلاشت الحرية" "م ١١ ف ٣ ". وخير ما يكفل الحرية استقلال السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإن السلطة المعتدية تلقى حينئذ سلطة تقف في وجهها، بينما اجتماع السلطات الثلاث في يد حاكم واحد أو هيئة واحدة من الحكام، سواء أكانت ديمقراطية أم أرستقراطية، يسوق إلى الطغيان "م ١١ ف ٦ ". ولما كان الحكم يقتضي السرعة والدقة والكتمان، كانت الملكية خير الحكومات، والملك كما سبق تعريفه حاكم مقيد بدستور وبهيئات قوية محترمة ولكنه مستقل في إصدار القرارات المطابقة للقانون. أما الشعب فغير كفء لأن يحكم بنفسه، ولكنه يشارك في الحياة السياسية على صورتين: إحداهما أن يكون له مجلس ممثلين يتقدمون برغبات، والأخرى أن ينتخب "محلفين" يساهمون في تطبيق القوانين. وأما وضع القوانين فيعهد به إلى مجلسين يختلف أعضاؤهما في ميولهم فيعدل بعضهم بعضًا, على مثال المجلسين الإنجليزيين. ومونتسكيو يعطينا

<<  <   >  >>