للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحرارة السماوية وسطح الأرض البارد. والموجودات جميعًا حاسة؛ لأن كل موجود فهو حاصل على الميل لاستبقاء كيانه، فيتعين أن يحس اقتراب ضده منه لكي يقاومه، وإلا لم يستطع البقاء؛ فالغائية التي يجعلها أرسطو طبيعية في الموجودات غير العارفة، ومعلومة مرادة في الموجودات العارفة، يجعلها تليزيو كلها معلومة، فينتج له أن العالم حي عارف، وهذه القضية تقضي من جهتها بأن تكون الغائية معلومة مرادة. ونفس الحي جزء من المبدأ الفاعل، فهي جسمية مثله، لا صورة جوهرية للجسم كما يقول الأرسطوطاليون، وإلا لما أمكن للمادة أن تؤثر فيها، ولما أدركت هي التكاثف والتخلخل، من حيث إن هذا الإدراك يستلزم أن تتكاثف وتتخلخل. فالنفس نفس حار منتشر في الأعصاب وتجاويف الدماغ، وهذا سيدعى فيما بعد بالأرواح الحيوانية. على أن تليزيو يقول: إن الله يضع في الإنسان، إلى جانب النفس المادية، نفسًا روحية خالدة هي التي لا تقنع بالحياة الأرضية وتدرك الله, وقد يكون تليزيو أراد بهذا القول مجاراة الدين.

هـ- الإحساس إدراك التأثيرات الخارجية والتغييرات الداخلية، بل هو إدراك التغييرات الداخلية؛ لأننا إنما نعلم التأثيرات الخارجية بوساطتها, وكل معرفة فهي إحساس, والإحساس حركة مخية, ومتى تكررت في غيبة المحسوس، كانت تخيلًا وتذكرًا. أما المعرفة العقلية، فإدراك علاقات التشابه والتباين بين الإحساسات. وأما الأفعال الخلقية، فترجع إلى غريزة حب البقاء، فيتضح مما تقدم أنه يمكن اعتبار تليزيو ممثلًا للفلسفة القائمة على التجربة قبل تأسيس العلم الطبيعي الحديث. وما هي إلا الفلسفة المادية في جميع العصور، لا يغير فيها تقدم العلم إلا الاصطلاحات والتطبيقات.

١٩ - جوردانو برونو " ١٥٤٨ - ١٦٠٠ ":

أ- هو أبرز ممثلي روح "النهضة" في الفلسفة، روح التمرد وروح النشوة بالكون الجديد المتسع إلى غير حد. وُلد بالقرب من نابولي, وفي السادسة عشرة دخل ديرًا للدومنيكان بالمدينة, ولكنه كان حاد المزاج قوي الشهوة، كثير التقلب حتى بدرت منه آراء أثارت الريبة في عقيدته، ففر إلى روما، فكان فيها موضع ريبة أيضًا، فخلع ثوب الرهبنة في الثامنة والعشرين " ١٥٧٦ " وشرع يطوف في

<<  <   >  >>