أ- بدأ حياته العلمية بدراسات فلكية وجيولوجية، فدون سنة ١٧٧٦ رسالة "في علل أهم الوقائع الطبيعية" عارض فيها نظريات لافوازبي بغير توفق كبير؛ وفي السنة عينها بعث إلى أكاديمية العلوم برسالة "في أهم ظواهر الجو". ثم عكف على دراسة النبات، ونشر كتابًا في ثلاثة مجلدات عنوانه "النبات الفرنسي، أو وصف موجز لجميع النباتات التي تنمو بفرنسا نموا طبيعيا، مرتب تبعًا لمنهج تحليلي جديد، مع ثبت بأصرح مزاياها في الطب وفائدتها في الفنون"" ١٧٧٨ ". وفي ١٧٩٤ عين أستاذًا لعلم الحيوانات اللافقرية، فخطر له أن الطبيعة قد تكون بدأت بهذه الحيوانات الدنيا "حين كونت سائر الحيوان بمعونة زمن طويل وظروف مواتية" وصرح بذلك في خطبة افتتاح دروسه لسنة ١٨٠٠ , فكانت هذه الفكرة مبدأ فلسفته العلمية، وقد قال:"كل علم يجب أن يكون له فلسفته. فهو لا يتقدم حقا إلا بهذه الواسطة". ونشر سنة ١٨٠٩ كتابًا في "فلسفة الحيوان" يشرحها فيه.
ب- على أنه لم يذهب إلى مطلق التطور في المادة إلى الخلية الحية إلى مختلف الأحياء. أجل, لقد سلم بالتولد الذاتي, لكن لا بمعنى أن المادة تتجه بذاتها إلى الحياة، بل بمعنى أن غازات لطيفة كالحرارة والكهرباء قد تنقل غير الحي إلى حي بكيفية متقطعة وفي نطاق ضيق. فالحياة في الأصل من خلق الله؛ أوجد الله أصولًا طبيعية أو نماذج ينتظم كل منها من عدد معين من الأعضاء المعينة مركبة تركيبًا معينًا. فمثلًا نموذج الحيوان الفقري يتضمن عينين موضوعتين الواحدة بإزاء الأخرى وأسنانًا وأرجلًا. بيد أن في هذا النموذج أحياء كثيرة نرى الأعضاء فيها موزعة توزيعًا آخر أو ضامرة أو معدومة بالمرة. فهذه الاختلافات الطارئة على النموذج وليدة ظروف أفسدته, أو وليدة تطور يرجع إلى أن البيئة بتربتها وغذائها ومناخها تولد في الحيوان حاجات مختلفة، فيبذل مجهودًا لإرضاء حاجاته، وينتهي مجهوده المتصل إلى تعديل الأعضاء، بل إلى نقلها من موضع إلى آخر من جسمه فإن استخدام العضو ينميه، وعدم استخدامه يهزله أو يضمره بالتدريج، والوراثة تنقل العضو على حاله من النمو أو الهزال أو الضمور. وهذا يفسر لنا