الحر" أي: الفهم الخاص للكتاب المقدس، وعلى التجربة الشخصية، بغير حاجة إلى سلطة تحدد معاني الكتاب، ثم تناولت العقائد بالفحص الحر فذهبت فيها كل مذهب، وبددت علم اللاهوت غير محتفظة إلا بعاطفة دينية عاطلة من كل موضوع. قام لوثير " ١٤٨٣ - ١٥٤٦ " وزفنجل " ١٤٨٤ - ١٥٣١ " وكلفان " ١٥٠٩ - ١٥٦٤ " يزعزعون العقيدة السلفية, وينشئون الكنائس المستقلة وقام هنري الثامن " ١٥٠٩ - ١٥٤٧ " يقهر الإنجليز على إنكار الكثلكة، وقام غيره من الملوك والأمراء يناصرون المبتدعة قضاء لمآربهم الخاصة، فكان القرن السادس عشر من أشد القرون اضطرابًا وفوضًى، انحلت فيه الروابط الدينية والعائلية والاجتماعية، وعنفت الأهواء القومية، فنشبت الحروب من أجل الدين والسياسة جميعًا، واستُبيح فيها كل محرم بحجة سلامة الأمير أو الدولة.
د- وكان الأمراء الإيطاليون يطلبون أسباب القوة والترف, فشجعوا الفنون والصناعات، فاندفع الأهلون إلى الابتكار والإتقان، وتنافست المدن في هذا المضمار، حتى غالت في الاستئثار بالمخترعات والآلات الجديدة. وكان من استخدام القوى الطبيعية أن زاد في معرفة أفاعيلها، وحفز الهمم إلى البحث عن قوانينها، فخرج العلم الآلي من ازدهار الصناعات، ونبغ علماء وفنانون من الطراز الأول، ومن المعلوم أن العمل الساذج يسبق النظر، أو أن الفن يسبق العلم، ثم يخرج من النظر عمل جديد، ومن العلم فن جديد أغنى وأكثر إحكامًا. وكان العلم بأرشميدس في القرن السادس عشر، ذلك العالم الذي طبق النظر على العمل خير معوان على إقامة ميكانيكا جديدة أرضية وسماوية. فازداد سلطان الإنسان على الأرض، واتسعت السماء أمام ناظريه بفضل اختراع التلسكوب، فأحس من الكبرياء والطموح ما لم يحسه من قبل، والتقى هذا الإحساس في نفسه بما أوحى به المذهب الإنساني في الأدب والدين، وبما نفخ فيه النضال السياسي من إحساس قوي بالاستقلال، فشعر كأنه رب نفسه ليس فوقه رب.
هـ- تلك خصائص عصر النهضة، وهي هي خصائص العصر الحديث إلى أيامنا, نستطيع أن نردها إلى اثنتين: الفردية العنيفة في الأدب والدين والسياسة, والعناية البالغة بالعلم الآلي وتطبيقاته العلمية الرامية إلى توسيع سلطان الإنسان على الطبيعة والزيادة في رخائه. وسيكون لكل هذا صدى قوي في الفلسفة: ستستقل