الحية بعضها إلى بعض. فلا يمكن أن تنتهي الحالة الواقعية إلى وحدة مطلقة، كالله في الحالة اللاهوتية، وكالطبيعة في الحالة الميتافيزيقية. فالفلسفة الواقعية جملة القوانين المكتسبة فعلا بالتجربة, لا جملة قوانين الوجود. غير أننا إذا لم نستطع البلوغ إلى وحدة موضوعية، فبوسعنا أن نبلغ إلى وحدة ذاتية تقوم في تطبيق منهج واحد بعينه في جميع ميادين المعرفة، فننتهي إلى تجانس النظريات وتوافقها، ومن ثمة إلى علم واحد. فالمنهج الواقعي يحقق الوحدة في عقل الفرد، ويحققها بين عقول الأفراد، وهكذا تصير الفلسفة الواقعية الأساس العقلي للاجتماع. ومن هذه الوجهة تجد في معنى الإنسانية المقابل الوحيد الممكن لمعنى الله ولمعنى الطبيعة. وفي الحالة الواقعية الاتصال بين النظر والعمل أوثق منه في الحالتين الأخريين، إذ إن العلم بقوانين الظواهر يسمح بإيجاد الظواهر، بل إن الرغبة في هذا الإيجاد سبب يجعلنا ننتقل إلى هذه الحالة. "العلم لأجل التوقع وبقصد التدبير" ذلك شعار العلم الواقعي؛ لذا يقابل هذه الحالة الصناعة من جهة لكونها عبارة عن استغلال الإنسان للطبيعة، وعلم الاجتماع من جهة أخرى لكونه يكشف لنا عن وسائل التقدم. ولئن كانت الفلسفة الواقعية في غنى عن التفسيرات اللاهوتية والميتافيزيقية، إلا أنها لا تعارضها معارضة مباشرة، بل إنها تعترف باستحالة التدليل على عدم وجود الروحيات كما تقرر استحالة التدليل على وجودها، وبذا تتميز من المذهب الحسي المعروف أو المذهب المادي الذي ينكر الروحيات إنكارًا.
١٤٤ - مذهبه ٢ - تصنيف العلوم:
أ- الفلسفة الواقعية جملة العلوم الواقعية. ويذكر كونت ستة علوم أساسية مرتبة هكذا: الرياضيات، علم الفلك، علم الطبيعة، علم الكيمياء، علم الحياة، علم الاجتماع. هذه العلوم مكتسبة بالاستقراء حتى الرياضيات, فإنها إنما تعتبر علمًا عقليًّا بحتًا لأن موضوعها من البساطة بحيث نغفل عادة أصله الاستقرائي، ولكن ليس هناك علم عقلي بحت. ومبدأ هذا التصنيف تزايد التركيب وتناقص الكلية، أي: النسبة العكسية بين المفهوم والماصدق، فكلما كان المفهوم بسيطًا كان الماصدق واسعًا، والعكس بالعكس. وهذا التصنيف