بل صار القلب ذلك المصدر. رأى أن الشك والنفي مرتبطان بالاستدلال العقلي، وأن المادية والإلحاد والنفعية مذاهب نافية لا تتناول إلا الظاهر، وأن الموقف الطبيعي هو الإيجاب والإيمان. إن محاولة البرهنة بالعقل على وجود الله بمثابة محاولة إضاءة الشمس بمصباح! العالم "ثوب الله" ورمز لمعانٍ تستعصي على المنهج العلمي. إن العلم يتصور الطبيعة دون أن يحسب حسابًا لمعناها، والآلية "فلسفة الثياب". أما الفلسفة الحقة فهي جهاد مستمر ضد العادة التي تجعلنا نتخذ من الظواهر جواهر فتحجب عنا بها الأشياء, والإنسان هو الرمز الأكبر. لقد اعتقد لوك وأتباعه أن العقل مجرد آلة تفكر وآلة تعمل بدافع اللذة والألم والمنفعة وحساب الربح والخسارة، بينما الإنسان حياة خلقية تنبعث من ميل النفس إلى إرضاء مثلها العليا. إن الأخلاق النفعية تغلو في أهمية التفكير الواعي، ولا تفطن إلى أن كل أمر جليل إنما يولد وينمو من تلقاء نفسه. ولكل أن يجد رمزه وديانته:"لست أقصد بالديانة الإيمان الكنسي، بل ما يعتقده بالفعل كل إنسان بصدد علاقاته الباطنة بهذا الكون الخفي" ما دام الفاعل فينا وفي الخارج قوة إلهية. وإن هذه القوة اللامتناهية تبدو بصفة خاصة في الإنسان، وبصفة أخص في الإنسان العظيم "كما يقول فختي". فيجب أن تقوم الحياة الروحية والاجتماعية على تكريم الأبطال أي: عظماء الرجال، وهكذا كانت قائمة في الماضي. عظماء الرجال خالقو ما يحاول سواد البشر تحقيقه؛ لذا كان تاريخهم روح التاريخ العام.
ونحن الآن أحوج ما يكون بنو الإنسان للأبطال أي: لأرستقراطية مستنيرة تقودنا، وليس هناك من معنى للحرية والمراقبة الشعبية والديمقراطية. إن جمهرة الإنسانية بحاجة إلى نظام من حديد، ويجب أن تكون فضيلتها الوحيدة طاعة القانون.