للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ندركها خلال أفعالنا, على أن هذا العلم الأولي شرط العلم بالأشياء، فإن إدراكي الحرارة معناه أني أشعر بنفسي حارًّا, فكل معرفة عبارة عن تغير وتعيين لشعوري فهي تفترض الشعور قبلها. ثم يلزم أن في كل موجود إرادة أولية تظهر في حبه للبقاء؛ بل إن النبات والحيوان يرمي بالتوليد إلى بقاء أبعد من بقاء الفرد؛ بل إن ما في الضوء والحرارة من حاجة إلى الانتشار والفيض، يترجم عن ذلك الميل الأزلي أو المحبة الأزلية الفعالة. وكما أن العلم بالذات مفروض في كل علم، فكذلك محبة الذات مفروضة في محبة أي شيء، فإن الغرض من كل محبة حفظ الوجود وفيه سعادة الموجود. وأعلى مظهر لحفظ الوجود المشاركة الأبدية في الوجود الإلهي فإن كل موجود، كما أنه صادر عن الله، ينزع إلى أن يرجع إلى الله وأن يشارك في الحياة اللامتناهية. فالموجودات جميعًا متدينة؛ لأنها جميعًا تنفر من العدم، ولما كانت تحمل في أنفسها العدم إلى جانب الوجود، كانت تحب الله أكثر مما تحب أنفسها. وهكذا نصل إلى الأخلاق والدين من طريق محبة الذات التي تبدو في حقيقتها أنها محبة الله فعالة في كل موجود. ففي الإنسان دين كامل متحد بالعلم الكامن والميل الكامن؛ وهذا الدين الأولي مفروض قبل الأديان الوضعية, وإنما لزم الوحي لاختلاف الأديان الوضعية وأضاليلها, واللاهوت أعلى من الفلسفة بقدر علو الله على الإنسان. وهكذا يؤلف كمبانيلا مذهبًا شاملًا قائمًا على معانٍ ثلاثة, وتعد محاولته هذه أولى المحاولات الحديثة التي ترتب الفلسفة كلها تبعًا لوجهة واحدة تعتبر بمثابة نقطة المركز.

هـ- أما السياسة فيجب أن تخضع للأخلاق والدين وتصدر عنهما. فهي ليست علمًا أو فنًّا مستقلًّا كما يريد ماكيافلي "ممثل مبدأ الشر" بمذهبه السمج, السياسة قائمة على محبة الإنسان لنفسه بالمعنى المتقدم، ومحبته للمجتمع الذي هو شرط وجوده. ويا حبذا لو ألفت الإنسانية جمعاء إمبراطورية كبرى يديرها مجلس الملوك بإرشاد البابا, بل يا حبذا "كما جاء في "مدينة الشمس"" لو ينظم المجتمع وفقًا لأصول العلم، أي: العلم الطبيعي والفلسفة، فيتولى فيه الحكم خير الذين مهروا في العلم النظري والعلم العملي معًا؛ وتزول سلطة الإكليروس والأشراف؛ وتحظر الملكية الخاصة والمعيشة المنعزلة في دائرة الأسرة؛ لأن الاختصاص والانعزال ينميان الأثرة ويوهنان الوطنية؛ وتنظم العلاقات الجنسية بناء على الاعتبارات

<<  <   >  >>