للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملهم، ثم لا نستطيع أن نقول: إنه مبتكر مذهبه؛ فقد أخذ أركانه عن شوبنهور وفاجنر، فلا يبقى له إلا الأسلوب الذي عبر به عن هذا المذهب. كان ابن قسيس وحفيد قسيس وأراد أن يصير قسيسًا فكان في حداثته مستمسكًا بالدين، ثم خرج على الدين والأخلاق بمنتهى الشدة وصار علمًا من أعلام الفكر. توفر على الدراسات اليونانية واللاتينية في المدرسة أولًا ثم في جامعتي بون وليبزج " ١٨٦٤ - ١٨٦٩ ". وقبل الفراغ من الدراسة نشر مقالات في إحدى المجلات لفتت إليه الأنظار بجامعة بال، فعرضت عليه التدريس فيها؛ فحصل على إجازاته العلمية وقصد إليها, ولكي يعين فيها اضطر للنزول عن جنسيته والتجنس بالجنسية السويسرية. فلما نشبت الحرب بين ألمانيا وفرنسا " ١٨٧٠ " كان بمعزل عنها، وكان عاطفًا على فرنسا أم الثقافة مشفقًا عليها وعلى الثقافة من البربرية البروسية. ولكنه خجل من قعوده فطلب إلى السلطة السويسرية الترخيص له بالخدمة في عداد الممرضين فأجيب إلى طلبه، ولم يكن بوسعه أن يفعل أكثر من ذلك لأن سويسرا كانت محايدة. وبدلته الحرب رجلا آخر وجعلت منه ألمانيًّا فخورًا بألمانيا, يمجد الحرب لأنها تبعث القوة في الإنسان وتوجهه إلى الجمال والواجب. ولكنه أصيب بالدوسنتاريا والدفتريا، وصادف المرض في بدنه استعدادًا وراثيًّا فأوهنه سنين عديدة حتى اضطره إلى الانقطاع عن التدريس؛ فاعتزل منصبه في ١٨٧٩ وبعد عشر سنين انتهى به المرض إلى الشلل الكلي والجنون. فظل على هذه الحال عشر سنين حتى وافته منيته. وقد قالت أخته: إن السبب الرئيسي في مرضه الأخير إدمان الكلورال استجلابًا للنوم.

ب- وهو في ليبزج وقع له كتاب شوبنهور "العالم كإرادة وتصور" فأعجب به واعتنق المذهب ودعا صاحبه "أباه". ومنذ ذلك الحين أقبل على الفلسفة إذ وجد أنها تنظر في الإنسان والعالم مباشرة بينما الأدب يظهرنا على العالم والإنسان خلال الكتب. وما إن دب فيه المرض حتى ثار عليه وعلى تشاؤم شوبنهور واعتنق مبدأ "الحياة" فكان المرض شاحذًا لإرادته موحيًا إليه بالشجاعة دافعًا به إلى توكيد حياته بالرغم مما كان ينتابه طول حياته من آلام في الرأس والعينين والمعدة. وقد قال في ذلك: "لم يستطع أي ألم ولا ينبغي أن يستطيع أن يحملني على أن أشهد زورًا في حق الحياة كما تبدو لي! " وكان يتقبل الألم كامتحان ورياضة

<<  <   >  >>