واحدة، على حين أن العقل أرقى من الاثنتين الأخريين, وأنه يستخدمهما كآلتين وهو يجمع في طائفة واحدة بين التاريخ الطبيعي والتاريخ المدني، وليس بينهما اشتراك إلا في اسم التاريخ، وأصل تسمية التاريخ الطبيعي نقل حرفي لكلمة "إستوريا" اليونانية, ومعناها "مجموعة مشاهدات" في عنوان كتاب أرسطو "تاريخ الحيوان". على أن بيكون عرف التصنيف الموضوعي، فإن القسم الثالث من تصنيفه يميز بين العلوم بحسب موضوعاتها.
٢٥ - نقد العقل:
أ- لأجل تكوين العقل الجديد لا بد من منطق جديد يضع أصول الاستكشاف, فقد كانت الكشوف العلمية وليدة الاتفاق، وكان المعول على النظر العقلي؛ فلم يتقدم العلم. إن العقل أداة تجريد وتصنيف ومساواة ومماثلة، إذا ترك يجري على سليقته انقاد لأوهام طبيعية فيه، ومضى في جدل عقيم يقوم في تمييزات لا طائل تحتها. ويتعين حصر هذه الأوهام الطبيعية للاحتراز منها؛ ويسميها بيكون "أصنام العقل" idola mentis وهي أربعة أنواع:
ب- النوع الأول:"أوهام القبيلة" itrlbus وهي ناشئة من طبيعة الإنسان؛ لذا كانت مشتركة بين جميع أفراده. فنحن ميالون بالطبع إلى تعميم بعض الحالات دون التفات إلى الحالات المعارضة لها، وإلى تحويل المماثلة إلى تشابه وتواطؤ، وإلى أن نفرض في الطبيعة من النظام والاطراد أكثر مما هو متحقق فيها، وإلى أن نتصور فعل الطبيعة على مثال الفعل الإنساني، فنتوهم لها غايات وعللًا غائية.
ج- النوع الثاني:"أوهام الكهف" sbecus وهي ناشئة من الطبيعة الفردية لكل منا، فإن الفردية بمثابة الكهف الأفلاطوني، منه ننظر إلى العالم, وعليه ينعكس نور الطبيعة فيتخذ لونًا خاصًّا. هذه الأوهام صادرة إذن عن الاستعدادات الأصلية وعن التربية والعلاقات الاجتماعية والمطالعات, فمثلًا: من الناس من هم أكثر ميلًا إلى الانتباه إلى ما بين الأشياء من تنوع، بينما آخرون أكثر ميلًا إلى البحث عن وجوه الشبه، إلى غير ذلك من الاتجاهات.
د- النوع الثالث:"أوهام السوق" fori وهي الناشئة من الألفاظ، فإن