بلونديل " ١٨٦١ " الأستاذ بجامعة إكس في كتابه "العمل" وجبريل مرسيل " ١٨٦٩ "؛ وكلهم يؤمنون بالعقل وبموضوعية المعرفة ويفسرون الإنسان طبقًا للمبادئ العقلية. أما الوجودية الجديدة فقد نشأت احتجاجا على الإسراف في العقلية كما يشاهد عند هجل الذي يرد الموجود إلى الماهية المجردة, فيغفل كل ما فيه من إنية أو فردية؛ فهي لاميتافيزيقية، تنكر أن يكون الوجود عين الماهية، وتنفر من المذهب والمذهبية وتقتصر على وصف الظواهر النفسية، فلا تعين قيمة المعرفة بالإضافة إلى "الحقيقة" بل طبقًا لما يبدو من قيمة حيوية في ظواهر الشعور الخالصة من الانفعالات والإرادات والآراء المكتسبة من المجتمع. ومع اتفاق الوجوديين المعاصرين على هذا المنهج نراهم يختلفون في نقطتين رئيسيتين: إحداهما خاصة بالمعرفة، والأخرى خاصة بتفسير الإنسان. ففي النقطة الأولى يأخذ بعضهم بالتصورية فلا يجعل فرقًا بين العالم الخارجي والعالم الداخلي بحجة أن كل ظاهرة طبيعية فهي في الوقت نفسه ظاهرة نفسية وأن "وجودها" كله قائم في كونها حالة نفسية، بينما البعض الآخر يري أن الظاهرة الطبيعية يقارنها في الوجدان شعور بالخارجية فيميز بين المجالين, ويحاول تبرير موضوعية المعرفة. وفي النقطة الثانية ينظر بعض الوجوديين بنوع خاص إلى ما سماه بسكال بعظمة الإنسان المتمثلة في عقله وفي طموحه إلى المثل الأعلى، فينتهي إلى الإيمان؛ وينظر البعض الآخر إلى ما سماه بسكال بحقارة الإنسان المتمثلة في أهوائه ورذائله وأمراضه الجسمية والنفسية، فينتهي إلى المادية والإلحاد. ولعل هؤلاء يبدءون بالإلحاد, ويبدأ أولئك بالإيمان تبعًا لمزاجهم الجسمي والعقلي، ثم يستخدمون المنهج الوجودي للوصول إلى ما يريدون. وهذا المنهج كثير الشيوع في العصر الحاضر, عليه عوّل فوندت وكولبي وهوفدنج وتيتشنر في علم النفس، وتشارلس بيرس ووليم جيمس في البراجماتزم، وجون ديوي في اعتباره المعرفة أداة في خدمة الحياة، وشيلر في مذهبه الإنساني، وغيرهم ممن يحذون حذوهم ١.
١ ومن الوجوديين البارزين "سورن كير كجارد" الدنماركي " ١٨١٣ - ١٨٥٥ " الذي ترجمت كتبه أخيرًا وشاعت أفكاره بعد أن ظل تأثيره قاصرًا على بعض الأوساط السكندينافية والألمانية. كان سوداويا مرهف الحس منطويا على نفسه شديد التدين. صار قسيسًا بروتستانتيًّا وهاله ما وجد في بيئته من تناقض ورياء, إذ تدعي أنها مسيحية ولا تعمل بتعاليم المسيح، ورجال =