الأولى، ونظرية الحركات والمقادير، ونظرية الظواهر الطبيعية؛ وقد وردت في الكتاب أخطاء رياضية أخذها عليه الرياضي واليس Walls. وأخيرًا نشر كتابه "في الإنسان"" ١٦٥٨ " القسم الأكبر منه في البصريات لتوضيح طبيعة حاسة البصر، والباقي بيان موجز في اللغة من الوجهة النفسية وفي الانفعالات, فتم بهذا الكتاب مذهبه.
٢٨ - العلم ومنهجه:
أ- العلم معرفة العلة، أو هو معرفة المعلولات بعللها، والعلل بمعلولاتها. والعلم قياسي لأن القياس برهان النتيجة, وموضوع العلم الأجسام لأن كل موجود فهو جسمي. ولما كان الجسم إما طبيعيًّا أو صناعيًّا أي: اجتماعيًّا، انقسم العلم إلى طبيعي يشتمل على المنطق والمبادئ الأولى والرياضيات والطبيعيات؛ وإلى مدني يشتمل على الأخلاق والسياسة, وكلاهما علم تجريبي موضوعه أجسام، أو أن الموضوع الإحساس الظاهر والباطن, وللظواهر جميعًا علة واحدة هي الحركة. هذا مبدأ عام لا يحتاج إلى برهان؛ فالهندسة تفحص عن القوانين الرياضية للحركة، وتفحص الميكانيكا عن مفاعيل حركة جسم في آخر، ويفحص علم الطبيعة عن مفاعيل الحركات الحادثة في ذرات الأجسام، ويفحص علم الإنسان والسياسة عن الحركات الحادثة في نفوس الناس, والباعثة على أفعالهم.
ب- غير أن هوبس يعترف بأن الصلة القياسية منقطعة في نقطتين: الأولى نقطة الانتقال من الميكانيكا إلى علم الطبيعة حيث نضطر إلى وقف القياس؛ لنرى أي الظواهر هي الواقعة بالفعل من بين الظواهر الممكنة، فنكون مبادئ علم الطبيعة بتحليل تلك الظواهر، والنقطة الثانية نقطة الانتقال من علم الطبيعة إلى علم الإنسان والسياسة، فإن المبادئ ههنا هي الميول والانفعالات، وهي لا تستنبط مما سبق، بل تدرك في النفس وتوضع كمقدمات جديدة للقياس. وبالفعل كتب هوبس في الإنسان والسياسة قبل أن يكتب في القسمين الأولين من فلسفته كما ذكرنا، ونبه على أن لا بأس في ذلك؛ لأن القسم الثالث يقوم على مبادئه الخاصة فلا يحتاج إلى القسمين الآخرين. وهذا يعني في الحقيقة استحالة معالجة الظواهر جميعًا بمنهج واحد يتقدم من البسيط إلى المركب، أي: استحالة رد الظواهر جميعًا إلى الحركة وقوانينها, وفي هذا نقض مبدئي للمذهب المادي.