الْمُوجِدِينَ مَرْضِيًّا عِنْدَ النَّاسِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَرْضِيًّا وَيَخْتَارُ الْقَاضِي الْمُزَكِّيَ وَالْكَاتِبَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا مِنْ أَعْدَلِ الْمَوْجُودِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي هُنَا هُوَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا لِلْقَاضِي يُخْبِرُهُ عَنْ الشُّهُودِ فِي مَسَاكِنِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَأَمَّا مُزَكِّي الْبَيِّنَةِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعَدُّدِ وَبِعِبَارَةٍ فَإِنْ قُلْت إنْ أَرَادَ مُزَكِّيَ السِّرِّ فَقَدْ مَرَّ وَإِنْ أَرَادَ مُزَكِّيَ الْعَلَانِيَةِ فَسَيَأْتِي فَمَا فَائِدَةُ هَذَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُزَكِّي السِّرِّ وَذَكَرَهُ هُنَا لِشَيْءٍ غَيْرِ مَا مَرَّ وَهُوَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ عَدْلًا أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ هُنَا اتِّخَاذُ شَخْصٍ يُخْبِرُهُ بِأَحْوَالِ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ مِنْ شُهُودٍ وَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ الْمُتَّخَذُ لِيُخْبِرَهُ بِمَا يُقَالُ فِي شُهُودِهِ فَتِلْكَ خَاصَّةٌ وَهَذِهِ عَامَّةٌ، وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت وَالْمُتَرْجِمُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَجَمِيَّةَ مَثَلًا مُخْبِرٌ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ وَكَذَلِكَ الْمُحَلِّفُ لِلْغَيْرِ عَنْ الْقَاضِي سَمِعَ الْقَرِينَانِ أَشْهَبَ وَابْنَ نَافِعٍ إنْ احْتَكَمَ لِلْقَاضِي خُصُومٌ يَتَكَلَّمُونَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَفْقَهُ كَلَامَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجِمَ عَنْهُمْ رَجُلٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ مُسْلِمٌ وَاثْنَانِ أَحَبُّ إلَيَّ وَيُجْزِئُ الْوَاحِدُ وَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمَسْخُوطِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْجَمَةِ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ إلَخْ
(ص) وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ أَوْ شَاوَرَهُمْ وَشُهُودًا (ش) ابْنُ الْمَوَّازِ الْأَحَبُّ أَنْ لَا يَقْضِيَ إلَّا بِحَضْرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمُشَاوَرَتِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ لِفِعْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا جَلَسَ أَحْضَرَ أَرْبَعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ فَإِذَا رَأَوْا مَا رَآهُ أَمْضَاهُ وَمَنَعَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، قَالَا وَلَكِنْ إنْ ارْتَفَعَ عَنْ مَجْلِسِهِ شَاوَرَهُمْ كَفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ إلَّا بِحَضْرَةِ شُهُودٍ وَعُدُولٍ يَحْفَظُونَ إقْرَارَ الْخَصْمِ خَوْفَ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ إحْضَارَ الشُّهُودِ مُسْتَحَبٌّ لِعَطْفِهِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ، وَهُوَ الْعُلَمَاءُ مِنْ قَوْلِهِ أَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: مَرْضِيًّا عِنْدَ النَّاسِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْخُلُقِ ذَا سَمْتٍ حَسَنٍ هَكَذَا كَتَبْت ثُمَّ وَجَدْت فِي شَرْحِ شب أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ مَرْضِيًّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَعْدَلِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا يُضَيِّعُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَاخْتَارَهُمَا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعُدُولِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْدَلَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَاخْتَارَهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ كَمُزَكٍّ. (قَوْلُهُ: يُخْبِرُهُ عَنْ الشُّهُودِ فِي مَسَاكِنِهِمْ) أَيْ الَّذِينَ أَعَدَّهُمْ بِجُلُوسٍ عِنْدَهُ يَشْهَدُونَ عَلَى إقْرَارِ الْخُصُومِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي وَمَا يَأْتِي مُزَكٍّ لِشُهُودٍ غَيْرِ خَاصِّينَ بَلْ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا مُزَكِّي الْبَيِّنَةِ أَيْ الَّتِي تَشْهَدُ بِالْحُقُوقِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاِتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وَحُكْمِهِ وَشُهُودِهِ. (قَوْلُهُ: فَسَيَأْتِي) أَيْ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِ. (قَوْلُهُ: فَالْجَوَابُ) أَجَابَ بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلُ جَوَابٌ بِالتَّسْلِيمِ، وَالثَّانِي جَوَابٌ بِالْمَنْعِ فَالْمُزَكِّي هُنَا أَرَادَ بِهِ مُزَكِّيَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَتَكُونُ الْأَشْخَاصُ ثَلَاثَةً مُزَكِّي السِّرِّ فَقَطْ وَمُزَكِّي الْعَلَانِيَةِ فَقَطْ وَمُزَكِّيهِمَا مَعًا. (قَوْلُهُ: مُزَكِّي السِّرِّ) أَيْ الَّذِي يُزَكِّي الشُّهُودَ الْمُلَازِمِينَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ) عِبَارَةُ ابْنِ غَازِيٍّ قَوْلُهُ: كَمُزَكٍّ أَيْ فِي كَوْنِهِ عَدْلًا رِضًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ إلَّا مَنْ يَقُولُ عَدْلٌ رِضًا أَيْ يَجْمَعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ يَدُلُّك عَلَى أَنَّ شَرْطًا تَصْحِيفُ مَرْضِيًّا. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا يَقُولُ الْمُزَكِّي فِي شَأْنِ الشَّاهِدِ مِنْ كَوْنِهِ يَقُولُ هُوَ عَدْلٌ رِضًا. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَرْجِمُ مُخْبِرٌ) إمَّا مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ وَأَنَّ الْمُتَرْجِمَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي اخْتَارَهُمَا وَقَوْلُهُ: مُخْبِرٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ مُخْبِرٌ. (قَوْلُهُ: مُخْبِرٌ) أَيْ لَا شَاهِدٌ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِ. (قَوْلُهُ: أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ) بَدَلٌ مِنْ الْقَرِينَانِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمَسْخُوطُ) أَرَادَ بِهِ الْفَاسِقَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْ انْتَقَلَتْ صُورَتُهُ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى بِأَنْ مُسِخَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُتَرْجِمِ وَالْمُحَلِّفِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا (تَنْبِيهٌ) قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُحَلِّفَ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْقَاضِي لِلتَّحْلِيفِ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَانْظُرْ هَلْ يَكْفِي عِنْدَ مُرْسِلِهِ وَغَيْرِهِ أَوْ عِنْدَ مُرْسِلِهِ فَقَطْ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَهُ عج.
. (قَوْلُهُ: ابْنُ الْمَوَّازِ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّ أَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ أَيْ وَشَاوَرَهُمْ وَلَا مَعْنَى لِلْحُضُورِ إلَّا مُشَاوَرَتُهُمْ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِقَوْلِ أَشْهَبَ وَقَوْلُهُ: أَوْ شَاوَرَهُمْ إشَارَةٌ لِحِكَايَةِ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهَذَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِأَوْ، وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ فَتَكُونُ إشَارَةً إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ خَاصَّةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مِنْ لَازِمِ الْحُضُورِ الْمُشَاوَرَةُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِحْضَارِ، وَتَرَكَ قَوْلَ مُطَرِّفٍ ثُمَّ إنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ حَيْثُ كَانَ فَكُرِهَ فِي حُضُورِهِمْ وَعَدَمِهِ سَوَاءً فَإِنْ كَانَ فَكُرِهَ فِي حُضُورِهِمْ لَا غَيْرُ وَجَبَ حُضُورُهُمْ وَإِنْ كَانَ فَكُرِهَ فِي عَدَمِهِ مُنِعَ ثُمَّ إنَّ مِثْلَ الْأَوَّلِ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَةُ الْقَضَاءِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ قَاضٍ شَرْعًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: لِعَطْفِهِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لِعَطْفِهِ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ وَأَرَادَ بِالْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ غَيْرُ مَا ظَهَرَ لَهُ لِيَظْهَرَ لَهُ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ مِثْلُ مَا ظَهَرَ لَهُمْ لَا تَقْلِيدًا لَهُمْ إذْ الْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مِثْلَهُ وَمِنْ مُقَلَّدِي مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا إلَّا أَنَّ الزَّرْقَانِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَطْلُوبًا بِذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يَحْضُرْهُ فِي الْوَاقِعَةِ شَيْءٌ.
(أَقُولُ) وَالظَّاهِرُ إحْضَارُهُمَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَكُونَ أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ بَلْ لِلتَّخْيِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute