حَمْلُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا لَقِيَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَلَدِ الْقَضَاءِ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ مِنْهُمَا فَيَلْزَمُ رَبَّهُ الْقَبُولُ إذَا دَفَعَهُ لَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ إذَا طَلَبَهُ رَبُّهُ، وَبِعِبَارَةٍ فَالْحَقُّ لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ فِي الْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ أَوْ الْمَكَانَيْنِ خَوْفٌ، وَهِيَ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يُجْبَرُ مَنْ هِيَ عَلَى قَبُولِهَا قَبْلَ الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ قَبْضُهَا، وَلَا يُنْظَرُ لِذَلِكَ فِي عَيْنِ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ دَفْعُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلَوْ خَفَّ حَمْلُهُ كَجَوَاهِرَ وَلُؤْلُؤٍ لِأَنَّ أَجَلَ السَّلَمِ مِنْ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا جَمِيعًا
وَلَمَّا كَانَ الْقَرْضُ شَبِيهًا بِالسَّلَمِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ دَفْعِ مُعَجَّلٍ فِي غَيْرِهِ ذَيَّلَهُ بِهِ فَقَالَ (فَصْلٌ) لِذِكْرِ الْقَرْضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةً الْقَطْعُ سُمِّيَ قَرْضًا؛ لِأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنْ مَالِ الْمُقْرِضِ، وَالْقَرْضُ أَيْضًا التَّرْكُ قَرَضْت الشَّيْءَ عَنْ الشَّيْءِ، أَيْ: تَرَكْته وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: ١٧] وَشَرْعًا دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ لَا عَاجِلًا تَفَضُّلًا فَقَطْ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ عَارِيَّةٍ لَا تَحِلُّ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّةٍ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مُتَمَوَّلٍ مَا لَيْسَ بِمُتَمَوَّلٍ إذَا دَفَعَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَرْضٍ، وَلَا يُقْرَضُ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَوْلِهِ فِي عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ دَفْعَهُ هِبَةً، وَقَوْلُهُ: لَا عَاجِلًا عُطِفَ بِلَا عَلَى حَالٍ مُقَدَّرَةٍ، أَيْ: الْمُتَمَوَّلُ الْمَدْفُوعُ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ حَالَةَ كَوْنِهِ مُؤَجَّلًا لَا عَاجِلًا أَخْرَجَ بِهِ الْمُبَادَلَةَ الْمِثْلِيَّةَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَوْلَا الزِّيَادَةُ وَقَوْلُهُ تَفَضُّلًا بِأَنْ يَقْصِدَ نَفْعَ الْمُتَسَلِّفِ فَقَطْ لَا نَفْعَهُ، وَلَا نَفْعَهُمَا، وَلَا نَفْعَ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّ ذَلِكَ سَلَفٌ فَاسِدٌ قَوْلُهُ لَا يُوجِبُ إلَخْ، أَيْ: لَا يُوجِبُ إمْكَانَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْجَارِيَةِ الْمُعَارَةِ، وَقَوْلُهُ: مُتَعَلِّقًا بِذِمَّةٍ صِفَةٌ لِمُتَمَوَّلٍ فَيَجُوزُ جَرُّهُ وَنَصْبُهُ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ مُتَمَوَّلٍ وَلِمَحَلِّهِ وَلَمَّا أَرَادَ الْمُؤَلِّفُ ضَبْطَ مُتَعَلِّقِ الْقَرْضِ عَبَّرَ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ
(ص) يَجُوزُ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ فَقَطْ (ش) ، أَيْ: كُلِّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ كَالْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ وَكُلِّ مَا لَا يَصِحُّ سَلَمُهُ لَا يَصِحُّ قَرْضُهُ كَالْأَرَضِينَ، وَالْأَشْجَارِ وَتُرَابِ الْمَعَادِنِ، وَالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ وَبِعِبَارَةٍ وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ فَيَمْتَنِعُ قَرْضُ جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ بِمِثْلِهِ كَمَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى نَجِسٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَرْضُ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَالْقَاعِدَةُ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ وَعَلَى جَوَازِ قَرْضِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ، وَمِثْلُهُ جِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا اُنْظُرْ الشَّرْحَ الْكَبِيرَ وَلَمَّا كَانَ السَّلَمُ فِي الْجَوَارِي جَائِزًا، وَلَا يَجُوزُ قَرْضُهُنَّ أَخْرَجَهُنَّ بِقَوْلِهِ
(ص) إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ (ش) ، أَيْ: فَلَا يَجُوزُ قَرْضُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَارِيَّةِ الْفُرُوجِ وَلِذَلِكَ انْتَفَى الْمَنْعُ فِيمَا إذَا اقْتَرَضَ الْوَلِيُّ لِلصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَوْ كَانَ غَيْرُ مَحَلِّهِ أَرْخَصَ، وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا) هَذَا مَفْهُومُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْأَجَلَ حَلَّ (قَوْلُهُ فَالْحَقُّ لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ) وَلَوْ قَبْلَ الْأَجَلِ أَيْ فَالْحَقُّ لِمَنْ عَلَيْهِ الْعَيْنُ، وَلَوْ قَبْلَ الْأَجَلِ (قَوْلُهُ وَلَا يُنْظَرُ لِذَلِكَ فِي عَيْنِ الْقَرْضِ) سَيَأْتِي لَهُ يَذْكُرُ هَذَا فِي بَابِ الْقَرْضِ، وَلَكِنْ فِي عب، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَرْضُ كَذَلِكَ، وَذَكَرَ عج مِثْلَ عب (قَوْلُهُ وَلَوْ خَفَّ حَمْلُهُ) الْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ، وَلَوْ ثَقُلَ حَمْلُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَلْزَمُ دَفْعُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّالِبَ الْمُسْلِمُ، وَالْمُبَالَغَةُ تَقْتَضِي الْعَكْسَ
[فَصْلٌ الْقَرْضُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
(فَصْلُ الْقَرْضِ) (قَوْلُهُ: ذَيَّلَهُ) ، أَيْ: ذَيَّلَ السَّلَمَ بِالْقَرْضِ الْمُرَادُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَا تُوجِبُ إلَّا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: سُمِّيَ قَرْضًا؛ لِأَنَّهُ قِطْعَةٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّ نَفْسَ الْمَالِ يُقَالُ لَهُ قَرْضٌ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَرْضَ هُوَ الدَّفْعُ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ دَفَعَ إلَخْ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ ذُو قِطْعَةٍ (قَوْلُهُ: أَيْ: تَرَكْته) أَيْ أَبْعَدَتْهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: {تَقْرِضُهُمْ} [الكهف: ١٧] أَيْ تَتْرُكُهُمْ جِهَةَ الْيَمِينِ لِكَوْنِ بَابِ الْغَارِ لَيْسَ جِهَةَ طُلُوعِهَا، وَلَا جِهَةَ غُرُوبِهَا (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُخَالِفٍ لَهُ) ، أَيْ: لِذَلِكَ الْمُتَمَوَّلِ (قَوْلُهُ: تَفَضُّلًا) ، أَيْ: حَالَ كَوْنِ الدَّفْعِ تَفَضُّلًا وَكَذَا قَوْلُهُ لَا يُوجِبُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا عَاجِلًا وَيُقْرَأُ بِالْجَرِّ (قَوْلُهُ: مَا لَيْسَ بِمُتَمَوَّلٍ) ، أَيْ: كَقِطْعَةِ نَارٍ (قَوْلُهُ: حَالَةَ كَوْنِهِ) أَيْ الْقَرْضِ (قَوْلُهُ: الْمُبَادَلَةُ الْمِثْلِيَّةُ) أَفَادَ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَكُونُ غَيْرَ مِثْلِيَّةٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِأَنْقَصَ مِنْهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ يَشْمَلُ الْمُبَادَلَةَ فِي غَيْرِ النَّقْدِ كَمَا أَفَادَهُ فِي شب (قَوْلُهُ:، وَلَا نَفْعَ أَجْنَبِيٍّ) ، أَيْ: بِأَنْ يَقْصِدَ بِالدَّفْعِ لِزَيْدٍ نَفْعَ عَمْرٍو لِكَوْنِ عَمْرٍو يَعُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَرْضِ كَأَنْ يَكُونَ لِعَمْرٍو دَيْنٌ عَلَى زَيْدٍ فَيُقْرِضُ زَيْدًا لِأَجْلِ أَنْ يَدْفَعَ لِعَمْرٍو دَيْنَهُ (قَوْلُهُ: لَا يُوجِبُ إمْكَانَ إلَخْ) الْأَوْلَى إبْقَاءُ لَفْظِ عِبَارَةِ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا، أَيْ: دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ نَفْسِ الْعَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ احْتِرَازًا مِنْ قَرْضٍ يُوجِبُ إمْكَانَ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: صِفَةً لِمُتَمَوَّلٍ) لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ صِفَةً لِمُتَمَوَّلٍ بَلْ الْمُنَاسِبُ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِلدَّفْعِ، أَيْ: حَالَةَ كَوْنِ الدَّفْعِ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ، أَيْ: مُتَعَلِّقُهُ الَّذِي هُوَ الْعَرَضُ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ) ، أَيْ: يُؤْذَنُ؛ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ إبَاحَتُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ النَّدْبُ وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُهُ كَتَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ بِقَرْضِهِ، أَوْ كَرَاهَتِهِ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ وَكَانَ يُقْرِض شَخْصًا فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ وَلَيْسَتْ مُحَقَّقَةً، أَوْ حُرْمَةٌ كَجَارِيَةٍ تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا لَا يَصِحُّ سَلَمُهُ) ، أَيْ: سَلَمٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى جَوَازِ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ جَوَازُ قَرْضِ مِلْءِ مِكْيَالٍ مَجْهُولٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَكَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَطْعًا فِيمَا يَظْهَرُ قَرْضُ وَيْبَاتٍ وَحَفَنَاتٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَفْظَةَ فَقَطْ مُضِرَّةٌ (قَوْلُهُ: لِلْمُقْتَرِضِ) لَمْ يُعَبِّرْ بِمُقْتَرَضٍ مَعَ كَوْنِهِ أَخَصْرَ نَظَرَا لِحُرْمَةِ الْقَرْضِ مِنْ حَيْثُ طَلَبُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute